فاجأ الزلزالان اللذان ضربا محافظة هاتاي، مساء أوّل من أمس، سكّان المنطقة وسائر البُلدان التي شعرت بهما، ومنها لبنان، إذ بلغت قوّة الزلزال الأوّل 6.4 درجات، والثاني 5.8 درجات، بفاصل ثلاث دقائق بينهما. وما لفت فيهما، أنهما ليسا ارتداديَّين بل مستقلّان، وهو الأمر الذي ضاعف من المخاوف. وبدا لافتاً أيضاً أن الخبير الجيولوجي التركي المعروف، ناجي غورير، كان قد توقّع حصولهما قبل أيام، حين قال، في سلسلة تغريدات، إن «هاتاي وأضنة تحوّلتا بعد زلزالَي قهرمان ماراش في السادس من شباط الجاري، إلى منطقتَين مفتوحتَين للانكسار»، موضحاً أن فالق الأناضول الشرقي قد فرغ، وتضاءلت إمكانية الهزّات فيه، وهو ما ينسحب أيضاً على فالق الأناضول الشمالي. ومع تَحقُّق توقُّعه في هاتاي، فقد برز حديثه تالياً عن مخاطر حدوث زلزال مشابه في أضنة وجزيرة قبرص، فيما أكد خبير الزلازل، أوكان تويسز، أن ما جرى مساء الإثنين منفصل تماماً عن زلزال قهرمان ماراش. وأثار الانتباهَ، كذلك، أن الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، كان برفقة زعيم «الحركة القومية»، دولت باهتشلي، في زيارة تفقّدية للمنطقة قبل حصول الواقعة بساعات قليلة، وهو ما دفع الكاتب البارز، فهمي قورو، إلى التساؤل عمّا إذا كان على فريق مستشاري الرئيس تنبيهه إلى عدم زيارة المنطقة التي لا تزال معرّضة للمخاطر. وقال قورو: «إمّا الذين خطّطوا لزيارة إردوغان لم يكونوا على علم بالتحذيرات من خطر الزلازل هناك، أو أنهم كانوا على علم، ومع ذلك خطّطوا للزيارة، وفي هذا غفلة كبيرة».في هذا الوقت، كانت منطقة هاتاي تعيش هلعاً كبيراً. وأظهرت محطّة «بينغو تورك» كيف أن النائب عن حزب «الحركة القومية»، لطفي قاشقتشي، قد هرع هارباً أثناء مقابلة على الهواء مع مراسل المحطّة لدى حصول الزلزال. وفيما أشار مراسل محطّة أخرى إلى أن «الهزّات لن تتوقّف على ما يبدو»، أفاد رئيس بلدية هاتاي، لطفي صاواش، بأن 90% من الجسور في مدينة أنطاكيا التي يمرّ فيها نهر العاصي قد تهدّمت، وأن الجميع يتركون المدينة بسبب الأضرار الجسيمة التي لحقت بالأبنية. ولفت رفيق إريلماز، رئيس بلدية صمان داغ حيث وقع أحد الزلزالَين الأخيرَين، بدوره، إلى أن «المدينة مدمَّرة، ولا كهرباء، والناس يهربون من المدينة، وبعضهم قد ألقى بنفسه من الطوابق لدى حصول الزلزال الأخير». وقال: «(إننا) لم نرَ شيئاً لأن الظلام كان حالكاً، ومُواطنونا يريدون الخيام، ولا أحد يمكنه إجبارهم على العودة إلى منازلهم. يجب إيجاد الخيام بشكل عاجل جدّاً». أمّا إبراهيم غوزيل، رئيس بلدية دفنه حيث حصل الزلزال الآخر، فقال: «شعرْنا بصدمة أكبر من تلك التي أعقبت زلزال 6 شباط. لقد انتهينا. انتهينا. ما الذي يمكن قوله. لقد تدمّرت المنازل. كان لدى البلدية 450 عاملاً. الآن، يوجد عشرون فرداً والباقون ماتوا. نصف سكّان المدينة (166 ألف نسمة) تركوها. نحن لسنا منطقة مدنيّة. معظم الناس يعملون في الزراعة وتربية المواشي. والأفضل نصْب الخيام أمام بيوت المتضرّرين، وليس إقامة مدن خِيام في مكان آخر».
90% من الجسور في مدينة أنطاكيا التي يمرّ فيها نهر العاصي قد تهدّمت


على خطّ مُوازٍ، وفي إطار النقاشات حول إعادة الإعمار في تركيا، يمكن التوقّف عند ما ذكره الرئيس التركي أثناء زيارته وباهتشلي هاتاي، من أنه لن يتمّ ترميم الأبنية المتصدّعة، بل البناء من الصفر، وأن غالبية الأبنية الجديدة ستكون ضمن تجمّعات، فيما ستُنقل المدن بالقدر الممكن من السهول إلى الجبال. وقال إردوغان إن الذين تركوا منازلهم توزّعوا، حتى الآن، على الشكل الآتي: «750 ألفاً في الخيام، 24 ألفاً في الكونتينرات، 252 ألفاً في المدارس والمساكن الجامعية، 462 ألفاً في الفنادق والمؤسسات الخاصّة»، معلِناً أن البدء في الإعمار سيكون في مطلع شهر آذار المقبل، وسيلحظ بناء مئتي ألف مبنى موزّعة على الشكل التالي: «40 ألف مسكن في هاتاي، 45 ألفاً في قهرمان ماراش، 25 ألفاً في آدي يمان، 18 ألفاً في غازي عينتاب، 44 ألفاً في ملاطية، 9 آلاف في عثمانية، 6 آلاف في ديار بكر، 3 آلاف في شانلي أورفة، ومثلها في إيلازيغ، 2500 في أضنة و250 مسكناً في كيليس، على أن لا يتعدّى ارتفاع البناء الواحد 3 إلى 4 طبقات فقط». وحذّر إردوغان من الأكاذيب التي تُطلَق، ومنها أن البُنية السكانية لهاتاي في خطر، قائلاً إن «أحداً ليست لديه قوّة تغيير التوازن السكاني في المدينة».
ووصفت صحيفة «قرار»، في عنوانها الرئيس، أمس، المناقصات لبناء المساكن المتهدّمة، بأنها «مناقصة القرن». ورأى الرئيس العام لغرفة المعماريين في تركيا، أيون موهتشو، أن عدد المباني التي تأثّرت بالزلزال، بلغ ثلاثة ملايين ونصف مليون مبنى، يتوجّب هدْم نصفها، وبناؤه من جديد، وهذا يجب أن يترافق مع إعادة بناء البنية التحتية لكثير من المناطق، بما تصل كلفته الإجمالية إلى مئة مليار دولار. وينتقد البعض تحديد مدّة سنة لإنجاز الأبنية، باعتباره «تسرّعاً لا يتناسب مع شروط السلامة». وفيما شدّد غورير على أن «الأبنية الجديدة يجب أن تكون مقاومة للزلازل»، أفاد وزير البيئة، مراد كروم، بأن «أعمال البناء في كلّ المناطق المتضرّرة ستبدأ خلال 3-4 أشهر». وتوازياً، كتب إحسان آق طاش، في صحيفة «يني شفق» الموالية، أن «الهجرة مستمرّة من مناطق الزلزال، وحتى أولئك الذين لديهم مبانٍ صلبة لا يعودون إليها خوفاً من أيّ هزات جديدة. هول الكارثة لا يمكن رؤيته إلّا حين تذهب إلى أرض الواقع وتراه»، مبيّناً أن «مدننا التي تضرّرت بشدّة من جرّاء الزلزال فقدت أيضاً هويّتها وشخصيّتها. وعندما تضيف مبانيَ إلى مبان إنّما لا تُبقي شيئاً من خصوصية المدينة»، داعياً إلى إعادة بناء مُدن هاتاي وقهرمان ماراش وآدي يمان، بما يتناسب مع هويّتها التاريخية.
ولم يغب موضوع الساعة المفتوح، أي مصير الانتخابات الرئاسية عن السجالات؛ ففي النظام الانتخابي التركي يتحدَّد عدد نوّاب كلّ محافظة وفقاً لعدد المقيمين فيها قبل أشهر قليلة من موعد الانتخابات؛ وبالتالي، يتغيّر العدد من انتخابات إلى أخرى. وفي الظروف الحالية، فإن تغييراً كبيراً طرأ على أماكن الإقامة نتيجة مغادرة أكثر من ثلاثة ملايين شخص مساكنهم المتضرّرة إلى محافظات أخرى. ومع ذلك، فإن هناك ميلاً إلى عدم تطبيق هذه القاعدة في الانتخابات المقبلة، وإبقاء عدد النواب على حالهم الآن، على أن توضع صناديق في مراكز الاقتراع في المحافظات الأخرى، للمتضرّرين الذين هجروا أماكنهم السابقة. وفي صحيفة «جمهورييات»، لفت مصطفى بلباي، إلى أن المتعهّدين يريدون من إردوغان أن يؤجّل الانتخابات حتى تتمّ إحالة الأموال إليهم في الأشهر الستّة المقبلة؛ ذلك أن عدم التأجيل يعني أن الرئيس لن يعطيهم مالاً، وسيصرفه على الدعاية الانتخابية. أمَا المَخرج، يقول بلباي، فهو توكيل أمر التأجيل إلى «اللجنة العليا للانتخابات»، يما يظهّر «حزب العدالة والتنمية» بريئاً من تهمة التهرّب من الاستحقاق. وهكذا، يضيف، «يريد لوبي المقاولات التأجيل».
من جهته، حذّر صلاح الدين ديميرطاش، الرئيس السابق لـ«حزب الشعوب الديموقراطي» الكردي والمعتقل في سجن أدرنة، من تأجيل الانتخابات، لأن «هذا يحاكي انقلاباً على الدستور، وللشعب الحقّ في مقاومة مثل هذا الانقلاب». ورأى أن «روح التضامن التي أَظهرها الشعب بعد الزلزال، فَرضت واقعاً جديداً على المعارضة، وعلينا، كجبهة عمل وحريّة، التقرير ما إن كان ينبغي أن يكون لدينا مرشّح خاص بنا أم لا». وَأضاف أنه «لا يمكن العودة إلى وضع ما قبل الزلزال. وإذا كان الزلزال دمّر البيوت وقتل الناس، فهو أَظهر أن سياسات الحكومة باطلة». إلّا أن اجتماع المعارضة السبت الماضي انتهى، على ما يبدو، إلى أنه لن يتمّ تحديد مرشّحها للانتخابات الرئاسية في اجتماعها في 2 آذار المقبل، وأن تسمية المرشّح مرتبطة بالإعلان الرسمي لـ«اللجنة العليا للانتخابات» عن موعد الاستحقاق بشكل نهائي. ونقلت صحيفة «جمهورييات»، عن أوساط معارضة، قولها إنه لن يكون عملاً صائباً أن تسمّي مرشّحاً لانتخابات قد لا تحصل لا في 14 أيار، ولا في حزيران المقبل.