بعد تذكير الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، قبل يومَين، بضرورة تطبيق «اتّفاق سوتشي 2019»، وانسحاب المقاتلين الأكراد إلى عمق 30 كيلومتراً عن الحدود التركية، كشف وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، أن اللقاءات مع سوريا مستمرّة على مستوى الاستخبارات. ولكنه قال إنه «إذا سلك النظام (السوري) بواقعية، فنحن مستعدّون للعمل سويّاً في مكافحة الإرهاب، ومواصلة العملية السياسية، وإعادة اللاجئين». وأضاف أوغلو، في مطالعة أمام البرلمان، أنه «إذا كانت الظروف مناسبة للمفاوضات نتفاوض، وإذا كانت الظروف مسدودة فالكلمة للميدان». وتأتي هذه المواقف في غمرة استمرار المناوشات السياسية بين أطراف الأزمة، ولا سيّما بين أنقرة من جهة وكلٍّ من واشنطن وموسكو من جهة أخرى، حيث لا تزال الأولى تضغط لنيل «موافقة ضمنية» من روسيا للقيام بعملية عسكرية برّية تستهدف «تنظيف» مناطق تل رفعت ومنبج وعين العرب (كوباني). إلّا أنه من غير الواضح إلى الآن ما إن كانت موسكو سوف تتوصّل إلى «مخرج» يتيح لتركيا القيام بعملية برّية محدودة، تكون بديلاً من العملية الواسعة التي يعارضها الروس والإيرانيون. أمّا موقف واشنطن من أيّ عملية من هذا النوع في مناطق التواجد العسكري الأميركي في شرق الفرات، فيبدو حاسماً في الرفض.في هذا الوقت، يسود الأوساطَ السياسية والإعلامية التركية تشاؤمٌ في شأن إمكانية تحقيق تقدّم في مسار المصالحة مع سوريا، وهو ما عبّر عنه دبلوماسيون سابقون وكتّاب. وفي السياق، يقول آخر سفير تركي في سوريا، عمر أونهون، في حوار صحافي، إن «تركيا تريد من العملية العسكرية البرّية، أوّلاً: منع التنظيمات الإرهابية من تشكيل بنية تكون جارة لها، وثانياً: إنشاء منطقة آمنة هناك لوقف القصف على الداخل التركي، وثالثاً: إنشاء منطقة آمنة لعودة اللاجئين السوريين». وينتقد أونهون ازدواجية الولايات المتحدة وروسيا؛ «فالأولى تقول إنها مع حق تركيا في الدفاع عن نفسها، ولكنها تعارض عملية تركية برّية بحجة محاربة داعش، أمّا الثانية فتروّج لتقارب بين إردوغان والرئيس السوري بشار الأسد، فيما هي تعمل على التقريب بين الأسد والوحدات الكردية». ويستبعد انتقال المفاوضات بين تركيا وسوريا إلى المستوى السياسي في وقت قريب، قائلاً إن «الأسد متريّث وتركيا أكثر استعداداً. يقال إن الأسد لا يريد أن يساعد الحكومة التركية في مجال الأمن واللاجئين قبل الانتخابات الرئاسية. بالإجمال لا يوجد تقدّم. وإذا لم تكن المعارضة السورية جزءاً من الحلّ السياسي فلا يمكن إيجاد حلّ». ويرى أنه «لا يمكن القول إنه تم التخلّي عن العملية التركية، ولا إنها ستَحدث مئة في المئة»، مشيراً إلى أن «العمليات السابقة حقّقت معظم أهدافها، لكن لا تزال هناك فجوات، وروسيا لم تطبّق اتفاق سوتشي عام 2019 ولم تنسحب وحدات الحماية الكردية من مناطق تل رفعت ومنبج».
يستبعد مراقبون أتراك انتقال المفاوضات بين تركيا وسوريا إلى المستوى السياسي في وقت قريب


ويَعتبر أن «النظام السوري حاول قمع المعارضة بشدّة، ولم يغيّر نهجه حتى الآن، وفي ظلّ هذا المناخ لن يتغيّر شيء كثير»، متابعاً أن «الأسد ينطلق من قاعدة: "نحن المنتصرون ونحن الذين نحدّد معايير" الحلّ السياسي، لكن هذا مضلّل، لأن هناك مناطق كثيرة خارج سيطرة الدولة مثل شرق الفرات وغربها، وهناك أحداث في درعا والسويداء، والوضع الاقتصادي سيّئ للغاية». ويلفت إلى أن «هدف الولايات المتحدة هو عدم إحياء داعش ومواجهة إيران؛ أمّا روسيا، فكان يجب أن تخرج نهائياً من الشرق الأوسط بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، لكنّ الربيع العربي مَنحها الفرصة للعودة والقول إن لها كلمة في شؤون المنطقة»، خالصاً إلى أن «روسيا انشغلت في أوكرانيا وتضرّرت هيبتها، لكن لا أعتقد أن الوجود الروسي في سوريا سينخفض».
بدوره، يكتب تشيتينير تشيتين، في صحيفة «خبر تورك»، عن «أزمة الثقة التي لا يمكن تجاوزها مع سوريا»، معتبراً أن «عملية التطبيع ستكون صعبة للغاية»، قائلاً إن «موقع تركيا الجغرافي مهمّ جدّاً، وعدم إدراك هذه الأهمية جعل الدولة العثمانية تخسر مناطقها في وقت مبكر. ومع أن تركيا تتمتّع بعلاقات متعدّدة الأبعاد مع الدول المحيطة بها، لكن سوريا هي المثال الأوضح والأكثر فاعلية للعلاقة بين الجغرافيا والسياسة». ويشير الكاتب إلى أن «إردوغان أعرب مراراً عن رغبته في لقاء الأسد، لكنّ دمشق تفضّل الانتظار إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية»، معتبراً أن «روسيا تريد تأمين الحدود الأكثر أهمّية لسوريا، وهي الحدود مع تركيا، وهي قادرة على التنسيق مع الأردن ولبنان والعراق وإسرائيل»، مضيفاً أن «الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يريد جمْع إردوغان والأسد في كانون الثاني أو شباط المقبلَين، لكنّ الزعيمَين يريدان لعِب أوراقهما حتى اللحظات الأخيرة».
ويرى تشيتين أن «دمشق تتباطأ. ولكن يجب ألّا يطول الانتظار كثيراً، لأن التوازنات في المنطقة يمكن أن تتغيّر»، لافتاً إلى أن الموضوعات التي تتعلّق بالأمن القومي التركي، وهي «حزب العمّال الكردستاني» و«داعش» وأنشطة إيران في سوريا واللاجئون وإدلب، «يتمّ تجاهلها من جانب دمشق، وهي موضوعات لا يمكن تركها لمصيرها». ويُعرب عن اعتقاده بأن «لدى دمشق قناعة بأنه يتعيّن الانتظار لمعرفة مَن سيَحكم تركيا في الانتخابات الرئاسية المقبلة، لكن هذه موضوعات لن تتغيّر بتغيُّر الحاكم في أنقرة ما دام ثمّة خطر على الأمن القومي التركي». ويتابع أن «المسألة لم تَعُد مَن يحكم تركيا، بل هي مسألة دولة»، معتبراً أنه «هذه المرّة، روسيا منشغلة في أوكرانيا، والولايات المتحدة تدرك أهمّية تركيا لدخول السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي، كما أن المسيّرات التركية ودعم نظام كييف عسكرياً سيجعلان واشنطن أقلّ استعداداً لإحداث صعوبات أمام أنقرة».
وينهي تشيتين مقالته بالقول إن «القضية السورية هي مسألة حياة أو موت لكلا البلدين، ويجب أن يكون السلام أولوية مطلقة لأنقرة بعيداً عن استغلاله في السياسة الداخلية قبل الانتخابات الرئاسية». وإذ ينبّه إلى أن «المشكلة الكبرى هنا هي انعدام الثقة»، فهو يؤكد أن «العيون كلّها على الميدان، فهل ستنجح موسكو في إقناع الأكراد بالانسحاب من كوباني وتل رفعت ومنبج؟ وهل ستوافق دمشق على الحلول محلّ الأكراد؟»، معتبراً أن «على دمشق أن تأتي وتحلّ محلّ القوات الكردية لطمأنة أنقرة، وإلّا فإن عمل القوات التركية سيكون حتمياً».