بغداد | مع استمرار حكومة رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، في اتّخاذ خطوات وإجراءات على طريق محاربة الفساد، بدأ معارضون لها من المقرّبين من «التيار الصدري» يقرّون بوجود مجهود حقيقي على هذا الصعيد، وإنْ كانوا لا يزالون يشكّكون في أن تصل الحكومة إلى «النهاية السعيدة» في هذا الطريق، باعتبار أن الفساد أقوى منها، وتحتلّ قوى متورّطة فيه مواقع تقريرية فيها. ولا تستثني الخطوات المُشار إليه القوى التي تتشكّل منها «الكابينة»، إلّا أن الإجراءات الأقسى خُصّصت حتى الآن للمقرّبين من رئيس الوزراء السابق، مصطفى الكاظمي.ويقول القيادي في «تحالف الفتح»، علي الزبيدي، لـ«الأخبار»، إنه «منذ أن تولّى السوداني سُدّة الحكم، كان من ضمن برنامجه القضاء على الفساد الإداري المستشري في كلّ وزارات الدولة والهيئات والمديريات»، مضيفاً أن رئيس الحكومة «بدأ بأعمدة الفساد في حكومة الكاظمي السيّئة الصيت»، متّهماً الأخيرة بأنها «مارست الفساد بأكبر نسبة، من خلال البنوك ومن خلال سرقة القرن وقانون الأمن الغذائي الذي لم يتطرّق إلى الغذاء بتاتاً، ووُزّعت أمواله بين أعمدة الفساد، ومنها ما صُرف ومنها ما لم يُصرف إلى أن جاء السوداني وأوقف صرف هذه المبالغ». ويَلفت الزبيدي، في إطار استدلاله على جدّية الحكومة، إلى «إلقاء القبض على علي غلام، الفاسد، صاحب البنوك الثلاثة، وقبْله على نور زهير، وكذلك على ضياء الموسوي في باريس»، مضيفاً أن «هناك العشرات بل المئات من الشخصيات التي تورّطت في الفساد وغسيل الأموال وسرقة موارد الدولة بعناوين مختلفة، وهذا ما تُظهره مذكّرات توقيف للكثيرين من قِبَل هيئة النزاهة التي تلعب في الحقيقة دوراً مهمّاً»، داعياً إلى «تضافر الجهود بين الإعلام والقضاء والسلطة التنفيذية، ومن لديه أيّ معلومة فليبلّغ هيئة النزاهة التي ستتّخذ الإجراءات المناسبة».
يقرّ معارضو حكومة السوداني بأن الأخيرة تتّخذ خطوات على صعيد مكافحة الفساد


وفي المقابل، يقرّ معارضو حكومة السوداني بأن الأخيرة تتّخذ خطوات فعلية على صعيد مكافحة الفساد، بعضها يطاول فاسدين محسوبين على أحزاب داخلها، إلّا أنهم لا يعتقدون بإمكانية نجاحها في هذه المهمّة. وفي هذا الإطار، يشير المحلّل السياسي، غالب الدعمي، القريب من «التيار الصدري»، إلى أن «الفساد ينخر المنظومة العراقية، ومحاولة السوداني مكافحة الفساد هي التي ستثبت نجاح حكومته أو فشلها؛ فكلّما كان قادراً على ضرب أوكار الفساد في الجهات الحزبية القوية، سيكسب رضى الشارع وأيضاً رضى الأحزاب». ويسجّل الدعمي، في تصريح إلى «الأخبار»، لرئيس الحكومة أنه «استطاع في الأيام الماضية أن يصل إلى أوكار مهمة، وهي ليست بعيدة عن البيئة التي رشّحته، وكلّما اقترب من هذه الأوكار سيعطي نفسه المبرّر المنطقي لمتابعة ملفّات الفساد لدى الجهات السياسية الأخرى»، مستدركاً بأنه «حينما يكون قوياً ضدّ الجهات التي تختلف معه سياسياً، وضعيفاً مع الجهات التي رشّحته، سيفقد الكثير من قوّته المنطقية والتبريرية أمام الجمهور». ويختم الدعمي بأنه «لم يمض على وجود السوداني أكثر من 30 يوماً، وهو يحتاج إلى وقت طويل، لذلك الأشهر الستّة المقبلة كفيلة برسم معالم نجاح رئيس الوزراء الحالي، فإذا قويت هذه المعالم ربّما يستطيع وقف الفساد أوّلاً، ثمّ البدء بمحاربته واسترجاع الأموال المسروقة والحقوق». من جهته، يرى الباحث يحيى السوداني، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «ملفّات الفاسدين والإعمار والميليشيات لا يمكن القفز عليها»، معتبراً أن «رئيس الوزراء سيكون مقيَّداً من قِبَل الأحزاب، ما يعطي انطباعاً بأن التغيير صعب جدّاً».
وفي الوقت الذي ينصبّ فيه الاهتمام على انطلاقة الحكومة الجديدة في محاربة الفساد، يُظهر «الحزب الديموقراطي الكردستاني»، وهو بلا شك أحد أحزاب الحكومة المتورّطة في الفساد في الإقليم وبغداد، اهتماماً بأولوية أخرى، هي التجييش لمنع إيران من الدفاع عن نفسها ضدّ الأحزاب الكردية الإيرانية المعارِضة لها، والتي تنطلق من مناطق كردستان العراق، لتأجيج الوضع في المناطقة الكردية داخل الجمهورية الإسلامية. ونفّذت قوات «الحرس الثوري»، أمس، جولة جديدة من الهجمات بالصواریخ و​الطائرات المسيّرة​ على مقارّ تلك الأحزاب، بعد أن قصفت في 13 تشرين الثاني الجاري عدداً منها. وسارع حزب بارزاني إلى استغلال هذه التطوّرات من خلال الدعوة إلى عقْد جلسة لمجلس النواب اليوم، تحت عنوان «حفظ السيادة»، لمناقشة ما وصفه النائب عن «الحزب الديموقراطي»، شريف سليمان، بـ«الاعتداءات التركية والإيرانية على الأراضي العراقية»، وإلزام الحكومة بـ«الحفاظ على أمن البلد وسيادته، واتّخاذ القرار بإجراء الحوار مع دول الجوار».