وبحسب البيانات الرسمية لعام 2019، تحتاج غزة إلى أكثر من 300 مليون متر مكعّب سنوياً، ويتوافر منها 200 مليون فقط، لكن هذا العام قد لا يتوافر سوى 150 مليون متر مكعّب سيتمّ استخراجها من الآبار الجوفية إلى جانب محطّات التحلية. ويُرجع مازن غنيم، وهو رئيس سلطة المياه في غزة، التلوّث إلى سحب كمّيات كبيرة من المياه الجوفية، إضافة إلى تعنُّت إسرائيل في السماح للفلسطينيين بشراء كمّية احتياجاتهم، مع العلم أن غزة تحصل على المياه من ثلاثة مصادر، هي المياه الجوفية بنسبة 97%، و2% من شركة «مكروت» الإسرائيلية، وباقي الكمّية تغطّيها محطّات التحلية الستّ المنتشرة في القطاع.
المخزون الجوفي يفسد
ومع أن الخزّان الجوفي الساحلي هو مصدر المياه الوحيد في غزة، إلّا أن إمكانية المحافظة عليه عبر ضبط الاستهلاك تعذَّرت بسبب عدم وجود بدائل منه، ما تسبّب في ارتفاع معدّل الملوحة، على نحو يتجاوز المعايير المسموح بها دولياً. وتشير آخر التقارير الصادرة عن سلطة المياه في القطاع، إلى أن تركيز الكلوريد في المياه الجوفية ارتفع بنسبة 2000 ملغم في الليتر، بينما نسبة النيترات بلغت 200 ملغم في الليتر في نحو 87 في المئة من الآبار، علماً أن «منظمة الصحة العالمية» حدّدت معيار 50 ملغم لكلّ ليتر، ما يعني، وفق نزار الوحيدي، وهو مدير عام الإدارة العامة للتربة والريّ في وزارة الزراعة في غزة، أن مياه ما نسبته 97% من الآبار الجوفية في غزة، غير صالحة للشرب. ويبيّن الوحيدي، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «الخزان الجوفي مستهلَك وملوَّث، تخالطه مياه البحر نتيجة انخفاض مستوياته، وتتسرّب إليه مياه الصرف الصحّي لأن شبكة الصرف الصحي متآكلة ولم يجرِ تجديدها منذ عشرات السنين، كما أن مجمعات القمامة وما يتسرّب منها من عصارة، تؤدّي دوراً تدميرياً للخزان الجوفي، وتساهم المياه المعالَجة بجودة متدنّية، والمستخدَمة في ريّ المزارع والحقول، في زيادة التلوّث».
قدرة مياه الأمطار السنوية لا تستطيع تعويض سوى ثلث كمّيات المياه المستهلَكة
ويحذر الوحيدي من أن «غزة مقبلة على العطش، خصوصاً أن الاحتلال يحرم القطاع من حقوقه الطبيعية في المياه الجوفية، التي يعمل على سرقتها من خلال حفر آبار كبيرة على طول الشريط الحدودي، فضلاً عن أنه يمنع وصول مياه بحيرة طبريا والضفة الغربية التي لديها فائض من المياه يتجاوز الـ300 مليون متر مكعّب سنوياً إلى غزة». بدوره، يَلفت البنا إلى أن الاحتلال يمنع أيضاً تدفُّق الجريان السطحي لمياه الأمطار بسبب الجدار الأمني الإسمنتي الذي أنشأه على طول الحدود، الأمر الذي تسبّب بتراجع كمّيات المياه المُغذّية للخزّان الجوفي في القطاع، ناهيك عن ما يتسبّب به الحصار الإسرائيلي المفروض لأكثر من 15 عاماً، من منع إدخال المواد اللازمة لتنفيذ مشاريع المياه والصرف الصحّي أو مستلزمات تشغيل مرافق تحلية مياه الشرب ومَرافق معالجة المياه العادمة.
عطش في الأفق
على رغم أن فلسطين التاريخية غنيّة بمصادر المياه الطبيعية، إلّا أن سكّان قطاع غزة على وجه التحديد يصنَّفون على أنهم «الأقلّ نصيباً من المياه في منطقة حوض المتوسط». وأظهرت آخر الدراسات المسْحية أن مستوى استهلاك الفرد اليومي كان قبل ثلاثة أعوام لا يزيد على 22 ليتراً من المياه العذبة يومياً، و50 ليتراً من مياه الاستخدام المنزلي، فيما أصبحت في هذا العام لا تتجاوز الـ6 ليترات من مياه الشرب، أمّا مياه الاستخدام المنزلي فغير صالحة للاستخدام الآدمي أساساً، لكن السكّان لا يجدون بديلاً من استخدامها. وبحسب جهاز الإحصاء الفلسطيني (مؤسسة حكومية)، يعدّ استهلاك الفرد في غزة الأدنى عالمياً، علماً أن «منظّمة الصحّة العالمية» حدّدت 150 ليتراً للفرد في اليوم. وإضافة إلى ذلك، فإن ثمن شراء الماء مرتفع؛ إذ يستهلك نحو 10 في المئة من دخْل الأسر، بينما أوصت المنظّمة الدولية بألّا يتجاوز ثلاثة في المئة من إجمالي الدخل.
وبناءً على ما تَقدّم، يحذّر الوحيدي من مستقبل مهدَّد بـ«شبح العطش»، خصوصاً أن البلديات ومصلحة مياه الساحل - الجهتين الرسميتين اللتين توفّران المياه - ستكونان مضطرّتَين لسحب 187 مليون متر مكعّب سنوياً من الخزان، وتلك كمية تُصنَّف في إطار «السحب الجائر»، في حين أن الحدّ المسموح به هو 60 مليون متر مكعّب سنوياً. ولعلّ ما يزيد الطين بِلّة، هو أن قدرة مياه الأمطار السنوية لا تستطيع تعويض سوى ثلث كمّيات المياه المستهلَكة، ما أسهم في نضوب مخزون المياه الجوفية إلى 19 متراً تحت مستوى سطح البحر.