بغداد | بإعلانه الانتقال إلى المعارضة، يكون مقتدى الصدر قد أقرّ، للمرّة الأولى منذ الانتخابات التي أجريت قبل سبعة أشهر، بعجزه عن تشكيل حكومة تُقصي «الإطار التنسيقي» عن السلطة، لكنه ما زال يرفض، في المقابل، التشارك مع هذا الأخير في حكومة تنتج من تسوية بين القوى الشيعية المختلفة، ما يبشر بطول الأزمة السياسية في العراق. ويبدو إعلان الصدر هذا، رضوخاً لواقع بدء التفكُّك داخل التحالف الثلاثي الذي شكّله مع «تحالف السيادة» بقيادة محمد الحلبوسي، و«الحزب الديموقراطي الكردستاني» بزعامة مسعود بارزاني، بعدما كان المكوّن السني في هذا التحالف، قد بدأ البحث عن حلّ سياسي للانسداد السياسي، الذي ألقى بظلاله عليه نتيجةَ عودة شخصيات تمثيليّة كانت مغيّبة عن الساحة السنية، من مِثل رافع العيساوي وعلي حاتم السليمان، وهي شخصيات تشكِّل، وفق الحلبوسي، خطراً على زعامته، وكذلك التوترات التي تثيرها الأزمة السياسية بين أنصار هذا الأخير وبين «الحشد الشعبي» في محافظات عراقية مختلفة، ولا سيما بغداد. وبالفعل، بدأت الضغوط الشعبية على الحلبوسي في الأنبار تتصاعد بشكل كبير، مع انعقاد مؤتمر «الحراك الشعبي للإصلاح» الذي نظّمه في مدينة الرمادي زعيم «صحوة العراق»، سطام أبو ريشة، وهو أحد الشيوخ البارزين في الرويشية التابعين للدليمية ممَّن سبق أن حاربهم الحلبوسي. وترافق ذلك مع قرار المحكمة الاتحادية إلغاء عضوية النائب مشعان الجبوري المنتمي إلى «تحالف السيادة»، بناءً على دعوى أقيمت ضدّه بتهمة «تزوير شهادة». وقال الناطق باسم «الحراك الشعبي» في الأنبار، ضاري أبو ريشة، لـ«الأخبار»، إن ثلاثة آلاف من شخصيات الأنبار شاركت في المؤتمر الذي خرج ببيان طالب بمعالجة قضايا ومشكلات جذرية في المحافظة، منها الفساد والقمع ومحاولة إقامة مشاريع تقسيمية وفبركة ملفّات قضائية للإعلاميين والشخصيات ولكل من يتجرّأ على انتقاد الحالة الشاذّة والسلبية في المحافظة، كما طالب بأن لا يستأثر الحزب الذي أنشأ إقطاعية دكتاتورية في المحافظة، بالوظائف والمقدّرات والمال.
الفرصة متاحة لتشكيل حكومة ائتلافية تضمّ «الإطار» والمكوّنَين الكردي والسني والمستقلّين

وعلى رغم أن التوجُّه الصدري الجديد، يجعل القوَّتين الأخريين في التحالف في حلٍّ من الالتزام معه بتشكيل ما كان يسمّيه «حكومة غالبية وطنية»، حيث يصبح بإمكانهما الانضمام إلى «الإطار» في حكومة من نوع آخر، إلّا أن هذا الأمر دونه صعوبات كثيرة، أبرزها: الخلافات العميقة بين القوى الممثّلة للمكونات الثلاثة. وما يزيد المهمّة صعوبة، هو أن الصدر منح مهلة 30 يوماً فقط لتشكيل حكومة كهذه، وإلّا سيكون «لنا قرار آخر نعلنه في حينه». ويمكن سؤال إن كان الصدر سلّم بلا واقعية مشروعه لاحتكار تمثيل الشيعة، وحكم العراق كله، انطلاقاً من أن كتلته البرلمانية هي الأكبر في مجلس النواب، على رغم حقيقة أنها تضمّ 73 نائباً يشكلّون أقلّ من ربع البرلمان المكون من 329 مقعداً، بينما يصل عدد نواب تكتُّله مع الشريكين الآخرين في التحالف الثلاثي، إلى 175 نائباً، وهو أيضاً عدد يقلّ كثيراً عن غالبية الثلثَين المطلوبة لتحقيق نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، الشرط الضروري لتشكيل حكومة جديدة.
أحد المؤشّرات إلى أن رهانات الصدر ما زالت غير واقعية وتعمل على ردود الفعل السريعة التي يتراجع عنها لاحقاً، هو أن قراره الانتقال إلى المعارضة جاء مباشرة بعد حكم المحكمة الاتحادية برفض قانون «الأمن الغذائي»، الذي قدّمته حكومة مصطفى الكاظمي للبرلمان بغرض إقراره، والذي يهدف إلى تسيير الملفّات المالية المهمّة كبديل عن الموازنة التي تعطّلت بفعل عدم تشكيل الحكومة الجديدة. وقضت المحكمة، بناءً على دعوى تقدَّم بها النائب باسم خشان القريب من «الإطار»، بأن الحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال لا يحقّ لها تقديم أيّ قوانين من هذا النوع، بينما كان الصدر يراهن على قرار المحكمة لممارسة الحكم بشكل غير مباشر من خلال تسيير أمور الدولة عبر حكومة الكاظمي، الذي يملك الصدر تأثيراً عليه، كما يملك جيشاً من المديرين والموظفين الموالين له داخل الدولة. فالمحكمة ذاتها، التي هاجمها الصدر في بيانه حينما انتقد «مسايرة القضاء لأفعال الثلث المعطّل المشينة»، كانت قد أصدرت سلسلة قرارات حاسمة لمصلحته بعد الانتخابات، رفضت فيها كل الطعون التي قُدّمت ضدّه، وثبّتت مكاسبه الانتخابية التي ما زالت القوى الشيعية الأخرى حتى اليوم تشكّك فيها.
على رغم اللهجة التصعيدية الحادّة التي تضمّنها بيان الصدر ضدّ «الإطار التنسيقي» من دون أن يسمّيه، مستخدماً كلمات مثل «وقاحة» و«تكالب» و«تعطيل القوانين التي تنفع الشعب عينك عينك» ليصف ما يقوم به «الإطار»، إلّا أن الفرصة متاحة نظرياً الآن لتشكيل حكومة ائتلافية في العراق تضمّ «الإطار» والمكوّنَين الكردي والسني والمستقلّين.