تسلّمت تركيا، خلال الأسبوعَين الماضيَين، مجموعة من «الجهاديين» الذين كانوا مسجونين في سجون «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة)، التي يقودها أبو محمد الجولاني، بعدما أُلقي القبض عليهم خلال حملات أمنية شُنّت في مناطق متفرّقة من إدلب، معظمهم من جنسيات آسيوية انخرطوا في أوقات سابقة في فصائل «جهادية» عدّة مرتبطة بتنظيم «القاعدة». وفي وقت ذكرت فيه مصادر متقاطعة أن هؤلاء «الجهاديين» سيتمّ إرسالهم في «مهام قتالية» خارج تركيا، وسط ترجيحات بأن تكون وجهتهم أوكرانيا، أشارت حسابات «جهادية» على موقع «تويتر» إلى أنه من بينهم مقاتلين أتراكاً حاربوا في صفوف «داعش»، وأعلنت أنقرة بشكل رسمي وصولهم إلى أراضيها، من دون الإشارة إلى الطريقة التي تمكّنت من خلالها من القبض عليهم. إذ نشرت وكالة «الأناضول» الرسمية التركية صوراً لمقاتلَين اثنَين قالت إنّ جهاز الاستخبارات التركي «MİT» ألقى القبض عليهما في عملية أمنية في سوريا.وبينما ذكرت الوكالة التركية أنّ المقاتلَين (أورهان موران ومصطفى قيليجلي) كانا يخطّطان لشنّ هجمات في تركيا، فنّدت مصادر «جهادية» تلك المزاعم، مؤكدة أن هذَين كانا يقبعان في سجون الجولاني منذ أكثر من عام، وأنهما خضعا لدورات «استتابة» عدّة قبل أن يتمّ تسليمهما لأنقرة ضمن عمليات نقل «الجهاديين» القائمة في الوقت الحالي من سجون «هيئة تحرير الشام»، التي شنّت، وما تزال، حملات أمنية مكثّفة على المقاتلين الأجانب، تنتهي باعتقالهم وإخضاعهم لدورات مكثّفة بهدف تغيير قناعاتهم، ضمن برنامج مُعدّ سابقاً يحمل اسم «برنامج الاستتابة»، والذي تقول «الهيئة» إنه يهدف إلى تصويب الأفكار المتعلّقة بـ«الجهاد»، ومحاربة التطرّف. وتعتقد مصادر عدّة أن هذا البرنامج عبارة عن «عملية غسل عقول مدروسة، وترويض للمقاتلين وتوجيههم إلى أهداف جديدة بما يتوافق مع رغبة أنقرة ويخدم مصالحها». وتشرف تركيا، بشكل مباشر، على تلك الحملات الهادفة إلى تفكيك الفصائل «الجهادية»، وإعادة هيكلة السوريين من عناصرها ضمن قوات الجولاني، التي بدأت تتّخذ شكلاً عسكرياً مؤسّساتياً، في وقت يتمّ فيه ترحيل غير السوريين إلى الجانب التركي بشكل متتابع، لتقوم أنقرة بالتصرّف بهم، سواء عن طريق إرسالهم إلى جبهات قتال جديدة، أو مفاوضة حكومات بلدانهم، وهو ما تتوقّع المصادر أن يتمّ خلال الشهور القليلة المقبلة مع مصر، بعد أن اعتُقل عدد من «الجهاديين» المصريين خلال الأسبوعَين الماضيَين، وأُلقي بهم في سجون «الهيئة».
تشرف تركيا بشكل مباشر على سلسلة من العمليات الأمنية التي تنفّذها «تحرير الشام» لتفكيك الفصائل «الجهادية»


وولّدت هذه العمليات الأمنية المتزايدة ضغوطاً على الجولاني، خصوصاً أنّ من بين المقبوض عليهم «جهاديين» كانوا حتى وقت قريب مقرّبين من «الهيئة»، الأمر الذي يبدو أنه دفع الأخيرة إلى إطلاق سراح بعضهم لتهدئة الأوضاع الداخلية. ومن بين المطلَق سراحهم مقاتلو تنظيم «حراس الدين»، ذراع «القاعدة» في إدلب، وعلى رأسهم أبو عبد الرحمن الحارثي (المكي)، عضو مجلس شورى التنظيم، وأحد أبرز قادته. ويجري تناقل تحذيرات عبر منابر «جهادية» من أن يكون الإفراج عن أولئك المقاتلين تمهيداً لتسليمهم بشكل غير مباشر للقوات التركية التي قد تقوم بعمليات اعتقال مباشرة لتبييض صورة الجولاني، وتمتين بيته الداخلي، في وقت ذكرت فيه مصادر ميدانية أنّ الإفراج عن «القاعديين» تمّ بعد قبولهم أن يتمّ نقلهم إلى تركيا، على أن يبقى الحارثي في إدلب في الوقت الحالي.
في غضون ذلك، ذكرت مصادر في إدلب، لـ«الأخبار»، أن مسؤولين أمنيين أتراكاً عقدوا اجتماعاً مع الجولاني على خلفية تزايد عمليات تهريب المخدرات من إدلب إلى تركيا، حيث سمع الأخير كلاماً قاسياً، خصوصاً أن معظم عمليات الإتجار بالمخدرات تتمّ بإشراف مسؤولين في «هيئة تحرير الشام»، اعتماداً على فتوى أصدرها عدد من شرعيّي «الهيئة» تَعتبر الاستفادة من أموال المخدرات محلّلة في حال تمّ بيع المواد لـ«الكفار»، وهي النقطة التي أثارت حفيظة تركيا التي حذّرت الجولاني من مغبّة اعتبارها «دولة كافرة»، وما يمكن أن يترتّب على ذلك من مخاطر أمنية مستقبلية، وفق المصادر.