ويبيّن مدير زراعة حلب، رضوان حرصوني، في حديثه إلى «الأخبار»، أنه «ما قبل الحرب، كانت حلب تزرع أكثر من 24 ألف هكتار، وهو ما جعلها تحتلّ المرتبة الأولى في الإنتاج»، مضيفاً أن «الخطّة الزراعية في المحافظة للموسم الفائت، كانت تهدف إلى زراعة نحو 1500 هكتار، لكن فعلياً لم تتمّ زراعة سوى 370 هكتاراً». ويعيد حرصوني عزوف السوريين عن زراعة القطن، إلى «عدم وجود العمالة الكافية، وازدهار زراعة الذرة الصفراء والسمسم». من جهته، يعزو رئيس «الاتحاد العام للفلاحين السوريين»، أحمد صالح إبراهيم، هذا التراجع إلى أن «الفلّاح ينظر في الإنتاج إلى المحصول الأقلّ كلفة، والذي يعطيه ربحاً مادياً أكبر، في ظلّ الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد، ما رجّح كفة العديد من المحاصيل على محصول القطن»، موضحاً، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «محصول القطن محصول شرِه للمياه، وعدم توفّر الريّ الحكومي، واعتماد الفلاحين في إنتاجهم في الغالب على الآبار، أدّيا إلى ارتفاع تكاليف إنتاج المحصول بشكل كبير، وتراجع إنتاجه».
وأسهمت جودة القطن السوري في افتتاح مئات معامل الألبسة داخل سوريا، وخصوصاً في حلب، طوال سنوات. ومع تراجُع المحصول المحلي، اضطرّت هذه المصانع للتوجّه نحو الاستيراد لتعويض النقص الحاصل في الأسواق، ما أدى إلى استنزاف العملات الأجنبية، التي تذهب لمصلحة الاستيراد. ولم يكفِ صناعةَ حلب ما أصابها من دمار وسرقة ونهب خلال سنوات الحرب، ليواجِه الصناعيون فيها صعوبات في توفير المواد الأولية للإنتاج، وأهمّها القطن والخيط. وفي هذا الإطار، يلفت الصناعي في «غرفة صناعة حلب»، مصطفى كواية، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «هناك شحّاً كبيراً في توافر القطن والخيط، والاعتماد حالياً على الاستيراد، لكون الكميات التي يتمّ الحصول عليها من الجهات الحكومية محدودة وضئيلة»، مشيراً إلى أنهم «يحصلون على القطن وخيط الكومباكت، عبر الاستيراد من دول آسيوية كالهند وباكستان وأوزبكستان». ويتابع كواية أنه «قبل الحرب، كان هناك اكتفاء وتصدير للمنتج، ولم يكن هناك استيراد للقطن أو الخيط مطلقاً»، ولكنِ اليوم، «هناك فارق كبير، لذلك لا توجد أيّ حلول سوى الاستيراد، في ظلّ إغلاق غالبية معامل الخيط في حلب لأبوابها، وهو ما يرفع من تكاليف الإنتاج، ويرفع الأسعار».
يعزف المزارعون عن زراعة القطن، ويتوجّهون الى زراعات أخرى، أقلّ تكلفة، وأقل حاجة إلى المياه
وتَبذل الحكومة السورية جهوداً لإعادة إحياء زراعة القطن في المناطق التي استعادها الجيش، وخاصة في حلب وريفَي الرقّة ودير الزور، من خلال إعادة إصلاح شبكات الريّ الحكومية، والعمل على توفير تقنيات ريّ حديثة. كما تعمل على خلْق محفّزات للعودة إلى هذه الزراعة، من خلال رفع تسعيرة الشراء لأكثر من مرّة في الموسم الواحد، إلّا أن عدم استقرار سعر الصرف، وعدم التوازن في التكاليف بين المزارعين الذين يعتمدون على الريّ الحكومي، والآخرين الذين يعتمدون على مياه الآبار السطحية والجوفية، جعلا من هامش الربح محدوداً. وعن هذه الجهود الحكومية، يقول رئيس «الاتحاد العام للفلاحين السوريين»، أحمد صالح إبراهيم، إن «الاتّحاد ينظر إلى موضوع تدنّي إنتاج القطن بصورة شمولية، على أساس أن هناك خطّة زراعية يجب أن
تُطبّق»، معلِناً أن «التركيز في الأعوام القادمة سيكون على زراعة محصول القطن في الأماكن التي يعمل فيها الريّ الحكومي، مع الحفاظ على المياه الجوفية، ودعم مشاريع الريّ الحديث بالتنقيط أو الرذاذ؛ بهدف التقليل من استهلاك المياه الجوفية والحفاظ عليها». ويضيف إبراهيم أن «الحكومة تعمل على تشجيع الفلاحين على العودة إلى زراعة القطن من خلال إصدار تسعيرتَين، واحدة مبدئية قبل الزراعة، وأخرى نهائية تكون في موسم القطاف».