القاهرة | على رغم مرور أشهر قليلة على موافقة البرلمان على قانون يحصّن أعضاء القوات المسلحة وقادة «المجلس العسكري» من المحاكمة عن الأحداث التي تلت عزل الرئيس الإسلامي الأسبق محمد مرسي منتصف 2013، وعمليات القمع والعنف لفرض الأمن، وتسلم رئيس المحكمة الدستورية مهمات رئيس الجمهورية ثم إجراء انتخابات فاز فيها عبد الفتاح السيسي بعد ترقيته من مشير إلى فريق أول، وبعدها استقالته ليصير «مدنياً»، يواصل السيسي تهيئة الأجواء لتسليم السلطة لكن تعديلات دستورية تتضمن مدة الولاية الرئاسية.يُلزم الدستور، الذي وُضع قَبل تولي السيسي الرئاسة، ألا تتجاوز ولاية الرئيس دورتين متتاليتين مدة كل منهما أربع سنوات، ما يمنع الرجل من الترشح في ربيع 2022، لكن تحركات النظام لتعديل الدستور، التي يُنظر إليها بحذر شديد طوال الوقت، باتت أكثر وضوحاً في الأسابيع الأخيرة. ولعل آخر الأفكار ما أشار إليه الكاتب ياسر رزق، المقرب من السيسي، وهي «إنشاء مجلس رئاسي بعد انتهاء ولاية السيسي على أن تمد ولايته لتنتهي في 2024».
بدايةً من النقطة الأخيرة، ومسألة مدة الولاية، يبدو أن لا مفر من هذا الأمر حالياً لدى كثيرين داخل النظام في ظل «غياب البديل» الذي يمكن أن يكون الرئيس، وهو أمر يمكن أن يصير دستورياً في حال الاستفتاء الشعبي عليه ضمن التعديلات المقترحة للدستور. أما مسألة «المجلس الرئاسي»، فهي جزء من صفقة في المنظور الأعم، ويفترض بهذا المجلس أن «يعيد الحياة السياسية في البلاد إلى صوابها».
هنا يطلب الكاتب المقرب من الرئاسة ـــ مقابل تخلي السيسي عن الحكم (من دون تعديل الدستور للتمديد أو الولايات المفتوحة) ــــ «حصانة إضافية» للرجل بخلاف الحصانة التي حصل عليها ورفاقه من البرلمان قبل أشهر، وذلك بـ«إنشاء مجلس انتقالي مدته خمس سنوات ينطلق بعد انتهاء ولاية السيسي، مهمته حماية الدولة وأهداف الثورة»، على أن يترأس المجلس الرئيس نفسه بصفته «مؤسس نظام 30 يونيو ومطلق بيان الثالث من يوليو». كذلك، اقترح أن يضم المجلس الرئيسين، السابق والتالي للسيسي، ورئيس «مجلس الشعب»، ورئيس «مجلس الشيوخ» (إذا أنشئ)، ورئيس مجلس الوزراء، ورئيس «المحكمة الدستورية العليا»، والقائد العام للقوات المسلحة، ورئيس «المخابرات العامة»، ورؤساء المجالس المعنية بالمرأة والإعلام وحقوق الإنسان... على أن يتخذوا «التدابير الضرورية عند تعرض الدولة لمخاطر تستهدف تقويضها أو الخروج على مبادئ ثورة 30 يونيو».
وفق مصادر مطلعة، لا يعبّر هذا المقترح عن وجهة نظر رزق، بل تيار عريض داخل أجهزة الدولة، وتحديداً المؤسسة العسكرية التي اقترح أن تضاف فقرة إلى نص المادة رقم 200 الخاصة بها في الدستور لتجعلها «الحارس على مبادئ ثورة الثلاثين من يونيو وأهداف بيان الثالث من يوليو»، في خطوة تجعل للجيش دوراً واضحاً في الحياة السياسية ما بعد السيسي.

من زمن عبد الناصر
فكرة «المجلس الرئاسي» من أجل تسليم السلطة غير جديدة، إذ سبق أن طرحها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وأوردها عضو «مجلس قيادة الثورة» عبد اللطيف البغدادي في مذكراته. لكن طرح 1962 لم يخرج للنور بسبب رفض المشير عبد الحكيم عامر ما ورد في تعريف المجلس: «هو قيادة جماعية، ويعتبر الهيئة العليا لسلطة الدولة، ويختص برسم السياسات العامة ومتابعتها والموافقة على القوانين والقرارات قبل أن يصدرها رئيس الجمهورية. ولا يتولى أحد من أعضائه عملاً في السلطة التنفيذية».
وإن كان الهدف من الفكرة التي طرحت في عهد عبد الناصر للمرة الأولى الحفاظ على الثورة وإبراز دور رجالها مع احتفاظه بالسلطة، فإن الهدف هذه المرة هو تحصين الرئيس نفسه وقادة نظامه وتقليص صلاحيات الرئيس المقبل، ووضعه تحت قبضة الجيش طوال الوقت، قبضة ستجعل منه دمية يحركها شركاء آخرون في الحكم لم يخترهم أو يمنحهم المواطنون أصواتهم في الانتخابات، على أن ما يحكى حالياً قد لا يتعدى «جسّ النبض».
طرح مقرّبون من الرئيس إنشاء «مجلس رئاسي» يرأسه السيسي نفسه


على أي حال، يُغفل المقترح الحالي تفاصيل تخص بقية الشخصيات التي ستنضم إلى المجلس المقترح، وهي نقاط وإن كانت تفصيلية، فهي تضمن للتيارات المدنية الوصول إلى السلطة لكن بإطار شكلي غير قابل للتعديل إلا بإجراءات دستورية تمر من البرلمان أولاً قبل أن تصل مرحلة الاستفتاء الشعبي، وهو ما يجعل أي رئيس مقبل عاجز عن ممارسة صلاحياته أو سيضطر إلى انتزاعها بتعديلات دستورية تلغي المجلس المقترح ودوره.
من جهة أخرى، يحاول الجيش تجنّب الأخطاء التي وقعت في المرحلة الانتقالية الأولى عندما تسلمت السلطة جماعة «الإخوان» من دون ضمانات كافية، فكان نتاجها إقالة المشير محمد حسين طنطاوي والفريق سامي عنان من وزارة الدفاع ورئاسة الأركان بالتوالي، وإصدار مرسي القرارات منفرداً بلا مراجعة القوات المسلحة كما كان يَفترض قادتها عندما تسلّم الرجل الإسلامي السلطة. والآن، يخشى السيسي ورفاقه من أن يقود أي شخص يتسلم السلطة مستقبلاً حملة ضده وضد نظامه ويحاسبهم، وهي مخاوف، إن كانت بعيدة نسبياً في ظل الإطار الحالي للحكم واستبعاد تسليمه لتيار مدني مباشرة من دون الدفع بعسكريين متقاعدين إلى السلطة، فإنها تبدو قائمة في الاحتمالات.

تعديلات قانونية أخرى
ترى أروقة مقربة من السيسي أن حصر التعديلات المطلوبة في مدة الرئاسة «نظرة قاصرة» لوجود مواد كثيرة أخرى هناك رغبة في تعديلها وإعادة صياغتها، من بينها مواد خاصة بالموازنة وإنفاقات الصحة والتعليم وغيرها من الملفات، فضلاً عن الصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها البرلمان وتصل حدّ عزل الرئيس، ولا يخفون الرغبة في تعديلها تحت قبة البرلمان الحالي الذي تسيطر على غالبيته أجهزة الدولة عبر النواب الذين دعمتهم. ومن التعديلات المطلوبة أيضاً مسألة عودة «مجلس الشيوخ» ليكون الغرفة الثانية للبرلمان بجانب «مجلس الشعب»، بالإضافة إلى إلغاء مواد «العدالة الانتقالية» مع تأكيد وجود تصالح مع جماعة «الإخوان المسلمون»، فضلاً عن النصوص المنظمة لقوانين الإعلام.
لكنّ التعديل الأهم، والمستغرب أن يوافق عليه برلمان حقيقي، هو تقليص صلاحيات «مجلس النواب» في ما يتعلق بالتعامل مع اختيار الحكومة ووزرائها، وهي الاختيارات التي يلزم الدستور الحالي رئيس الجمهورية عرضها على المجلس واشتراط موافقتهم عليها وإقصاء من يرفضونه. ويرجع سبب التركيز على إجراء التعديلات في 2019 إلى وجود انتخابات برلمانية مرتقبة في 2020 قد تؤدي نتائجها إلى تغيير التركيبة الحاكمة بالبرلمان، لا سيما أن الدولة استغرقت وقتاً طويلاً في ترويض أصوات نواب المعارضة على قلتهم داخل البرلمان الحالي.



إعلاميّو «30 يونيو»
على رغم السيطرة على وسائل الإعلام وتبني وجوه جديدة تحت مسمى «شباب الإعلاميين»، فإن أياً منهم لم ينجح في تصدّر الرأي العام أو تكوين قاعدة حقيقية من الجماهير على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما دفع الرئاسة إلى الاستعانة بوجوه نظام حسني مبارك من أصحاب المكانة الراسخة إعلامياً، تحديداً من تبنوا أفكار النظام الجديد منذ «30 يونيو». أبرز هذه الوجوه الكاتب ياسر رزق الذي على رغم معاناته مرض سرطان الرئة وخضوعه للعلاج في الخارج وتحديداً فرنسا لمدة طويلة، فإنه لا يزال الكاتب المفضّل الذي تطرح عبره المبادرات والمقترحات على مستوى الرئاسة أو الأجهزة السيادية، علماً أنه أحد رجال مبارك المقربين وصاحب عنوان «اعتقال قائد الأسطول السادس الأميركي» إبان «ثورة يناير» في 2011. ورزق هو الصحافي الوحيد الذي حاور السيسي منفرداً حتى الآن إبّان تولي الأخير منصب وزير الدفاع. وعلى رغم تسريب مقاطع من الحوار وأجزاء لم تكن للنشر، فإن العلاقة التي تجمعه مع الرئيس جيدة للغاية، بل هو أحد الوجوه المرشحة لمنصب «رئيس الهيئة الوطنية للإعلام»، علماً أنه يحتفظ بمنصب رئيس مجلس إدارة مؤسسة «أخبار اليوم» القومية.
تلفزيونياً عادت هناء سمري، أشهر مراسلة لرئاسة الجمهورية في الشاشة الرسمية إبّان عهد مبارك، وصاحبة الفيديو الشهير في التحريض على المتظاهرين في «ميدان التحرير». وهي الآن تقدم برنامج «حكاية وطن» مستعرضة «إنجازات السيسي» خلال السنوات الخمس الماضية.