على بالي
أصبح للبنان حاكم جديد للمصرف المركزي. والغريب أنّ التنافس كان على أشدّه بين المتبارزين لنَيل المنصب العظيم، لخلافة رياض سلامة الذي-والحقُّ يُقال-سجّلَ أرقاماً قياسيّة في سرقة أموال الناس في تاريخ الجمهوريّة اللّبنانيّة (كان الرجل مِنحة من رفيق الحريري لنا). لكنْ من يريد هذا المنصب في هذه الظروف ولماذا؟
كريم سعيد كان مرشّح المصارف (بقيادة أنطون صحناوي) وجوزيف عون والحكومة الأميركيّة التي لها رأي في كلّ تعيين في الدولة التي تخضع-نظريّاً-للاحتلال الإيراني. وتعيينات الحكومة الأميركيّة في الجمهوريّة سبقت هذه الحرب ونتائجها. الغريب أنّ «حزب الله» صوّتَ (مع حركة «أمل») إلى جانب كريم سعيد، مع أنّ للرجل مقالة منشورة في مطبوعة صهيونيّة أميركيّة (تُصنّف المطبوعة على أنّها على يمين اللّيكود الصهيوني).
وفي المقالة تلك، يطرح الاقتصادي سعيد تجديد مشروع سعد حدّاد لخلْق كيان واقع تحت هيمنة إٍسرائيل، ويمتدّ من الحدود مع فلسطين إلى الدامور. سعيد يتخطّى المطالب الأميركيّة: لا يريد لا جيشاً ولا مقاومة، فقط نفوذاً إسرائيلياً صرْفاً، من أجل خلْق البيئة المؤاتية لتحقيق السِّلم والتطبيع مع إسرائيل.
كان يمكن لمن يُهمِّه الأمر أن يجري بحثاً على الانترنت للوصول إلى مقالة سعيد هذه. لم يتعرّض سعيد إلى مساءلة من أحد حول طرْحه للسلام مع إسرائيل، وإن كان طرْحه يفسِّر استقرار القرار الأميركي على شخصه.
وحاكم المصرف المركزي لا يدخل عادة في الجدالات السياسيّة، لكنّ هذا شكَّل استثناءً لأنّ موضوع إسرائيل يُهِمّ الدولة التي تنتقي حُكّام المصارف المركزيّة في عالمنا.
مرّة أخرى، نرى أنّ كلّ سياسات الحزب الداخليّة لا يُمكن أن تُحتسب في خانة العدل الاجتماعي أو في خانة مشروع المقاومة. لم يكن هناك مقاومون بين المُتنافسين، لكنّ هذا أسوأهم بلا منازع. ويحمل سعيد معه مشروعاً يبرّئ المصارف الفاسدة (وكلّ المصارف العاملة كانت فاسدة) ويحمِّل الشعب اللّبناني أعباء سرقات المصارف.
ويريد سعيد الاستعانة بالذهب إذا كان ذلك يفيد عمليّة إعفاء المصارف من المسؤوليّة. ولعلّه يريد ابتكار هندسة ماليّة جديدة لمكافأة المصارف على سرقاتها التاريخيّة.