الصين تُطلق «دورتَيها»: جاهزون لأي مواجهة

انطلقت، في العاصمة الصينية بكين، فعاليات «الدورتين»، والتي تمثل الحدث السياسي الأهم في البلاد، وتُعقد في الأسبوع الأول من آذار سنوياً، حيث تستعرض الصين أبرز الإنجازات والتحديات التي طبعت العام السابق، جنباً إلى جنب «خارطة الطريق» للعام المقبل. و«الدورتان» لا تقتصران على كونهما مجرد اجتماعين يعقدان في بداية الحدث ونهايته، بل تشملان لقاءات مكثفة لصناع السياسة في بكين، طوال أكثر من أسبوع.
وعلى جري العادة، افتَتح، في «قاعة الشعب الكبرى» في الخامس من الجاري، «المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني»، وهو الهيئة التشريعية الأعلى في البلاد، ويضمّ نحو 3 آلاف من ممثلي كل الإثنيات ومختلف الفئات العاملة على امتداد الصين، جلسته بحضور الرئيس شي جين بينغ. وخلال الجلسة، تلا رئيس الوزراء، لي تشيانغ، «تقرير أعمال الحكومة»، محدداً هدف الصين للنمو الاقتصادي عند 5% لعام 2025. ويأتي انعقاد فعاليات «الدورتين» هذا العام، بعد أسابيع من بدء ولاية الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الذي يلوح بحرب تجارية جديدة مع بكين، ما جعل بعض المراقبين يجادلون بأنّ إعلان الصين نيتها زيادة نمو الناتج المحلي، هو بمنزلة مؤشر واضح إلى أنّ الأخيرة مصممة على تجاوز التحديات الاقتصادية والتجارية التي قد تصادفها في 2025.
كذلك، أعلن لي أنّ بلاده تعتزم زيادة إنفاقها العسكري بنسبة 7.2% العام المقبل، وهو المعدل نفسه الذي سجلته عام 2024، لترتفع ميزانية الدفاع إلى 1.78 تريليون يوان، أي ما يعادل 245 مليار دولار. وفي حين يؤكد شين شيوي، الصحافي والزميل الباحث في العلاقات الدولية والتعاون في «مبادرة الحزام والطريق»، في حديث إلى «الأخبار»، أنّ «الصين ملتزمة بمسار التنمية السلمية، وسياستها هي دفاعية بطبيعتها»، مشيراً إلى أنّها «تتحمل مسؤوليات دولية معينة في صون السلم والاستقرار العالميين»، ما يجعل قدراتها الدفاعية مهمة بالنسبة إلى «عمليات حفظ السلام والإغاثة الدولية»، فإنّ جملة من المؤشرات الأخيرة تنذر بأنّ بكين تستعد، أيضاً، لأي «مواجهة من أي نوع كانت مع واشنطن».
إذ إنه عقب إعلان إدارة ترامب، أخيراً، زيادة التعريفات الجمركية على البضائع الصينية، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، لين جيان، إنّ زيادة الضغط على الصين يعكس «حسابات خطأ»، مشيراً إلى أنّه في حال كانت واشنطن «مصرة على شنّ حرب جمركية أو حرب تجارية أو أي حرب أخرى، فإن بكين ستقاتل حتى النهاية». ونصح المسؤول الصيني الولايات المتحدة بـ«التخلي عن وجهها المتنمر والعودة إلى المسار الصحيح للحوار والتعاون في أقرب وقت ممكن»، في أقسى تصريح يصدر عن الصين تجاه الإدارة الأميركية الجديدة.
ومن جهتها، أعادت السفارة الصينية في واشنطن نشر تلك التعليقات عبر تطبيق «أكس»، مشددةً على نقطة استعداد الصين لخوض «أي حرب تريدها الولايات المتحدة». وفي هذا الإطار، يرى شيوي أنّ «تصرفات الإدارة الأميركية الجديدة تضرّ بمصالح البلدان الأخرى. وعند اتخاذ القرارات، كثيراً ما تفشل الولايات المتحدة في مراعاة مصلحة المجتمع الدولي».
إنجازات وتحديات
وفي خطابه أيضاً، أعلن رئيس الوزراء الصيني أنّ الناتج المحلي الإجمالي للصين نما، العام الماضي، بنسبة 5 في المئة، ليصبح من بين الاقتصادات الرئيسية الأسرع نمواً في العالم، ويسهم بنحو 30 في المئة من النمو الاقتصادي العالمي. وطبقاً له، فقد تمّ خلق 12.56 مليون وظيفة حضرية جديدة، وبلغ متوسط معدل البطالة في المناطق الحضرية التي شملها الاستطلاع 5.1 في المئة، فيما ارتفع مؤشر أسعار المستهلك (CPI) بنسبة 0.2 في المئة. وعلى الصعيد البيئي، تجاوز إنتاج الصين السنوي من سيارات الطاقة الجديدة الـ 13 مليوناً، بينما شهد معدل استهلاك الطاقة انخفاضاً واضحاً، بنسبة 3% لكل وحدة من الناتج المحلي الإجمالي. وبلغت سعة المولدات العاملة بالطاقة المتجددة والمركبة حديثاً في المحطات الكهربائية 370 مليون كيلوواط، بالتوازي مع ارتفاع نسبة الأيام ذات «جودة الهواء الممتازة أو الجيدة» إلى 87.2%، ونسبة قطاعات المياه السطحية «الممتازة أو الجيدة» إلى 90.4%.
تعتزم الصين زيادة إنفاقها العسكري بنسبة 7.2% العام المقبل
وبحسب التقرير الحكومي الصادر عن «المؤتمر الشعبي الوطني»، فإنّ الأولوية الاقتصادية الكبرى لهذا العام ستكون تعزيز الاستهلاك المحلي ليصبح «المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي»، في ظل تراجع طلب الأسر الصينية والتحديات التي تواجه قطاع العقارات. وقال لي تشيانغ في هذا الصدد: «سنعالج بأسرع وقت ممكن ضعف الطلب المحلي، وبخاصة استهلاك الأسر، لضمان أن يصبح ذلك الطلب حجر الزاوية في الاقتصاد الصيني»، جنباً إلى جنب زيادة إنتاج الحبوب إلى حوالى 700 مليون طن.
وطبقاً للمحلل شيوي، فإنّ «ضمان رفاهية الشعب الصيني البالغ تعداده 1.4 مليار نسمة، كان من بين النقاط الأكثر بروزاً في خطاب رئيس الوزراء هذا العام»، مشيراً إلى أنّ «السياسات المحلية للصين ستركز بشكل أكبر على تحسين جودة التعليم، وتحسين كفاءة الخدمات الطبية، وتعزيز الجوانب المختلفة لسبل عيش الناس، من مثل قطاع الإسكان». وكان رئيس الوزراء قد أشار إلى أنّه خلال العام الماضي، تعززت «الإنجازات في مجال القضاء على الفقر، وتضاعفت الجهود لضمان التعليم الإلزامي، والتأمين الأساسي على الشيخوخة والضمانات الطبية الأساسية والإعانات الاجتماعية وغيرها».
وفي التقرير السنوي نفسه، أقر المسؤول الصيني بوجود تحديات كبيرة تواجه «الجمهورية الشعبية»، محلياً ودولياً؛ فعلى الصعيد الدولي، «تتسارع وتيرة التغيرات التي لم يشهد مثلها العالم منذ قرن، وتزداد البنية الخارجية تعقيداً وخطراً، ما يتسبب في صدمات أكبر لقطاعات التجارة والعلوم والتكنولوجيا ومجالات أخرى في بلادنا»، كما «يفتقر النمو الاقتصادي العالمي إلى الزخم، وتتفاقم الأحادية والحمائية، ويتعرقل النظام التجاري المتعدد الأطراف»، وتزداد الحواجز الجمركية، الأمر الذي يؤثر في استقرار سلاسل الصناعة والتوريد العالمية.
كذلك، لا تزال عناصر التوتر الجيوسياسي «كثيرة نسبياً»، ما يؤثر على «السوق الدولية». وفي الداخل، يرى لي أنّ أساس الانتعاش والتحسن الاقتصادي لا يزال غير ثابت، وهو ما ينعكس في الافتقار إلى الطلب الفعال «وعدم تعافي الاستهلاك»، في وقت يواجه فيه بعض المواطنين صعوبة في البحث عن فرص عمل وزيادة الدخل، متحدثاً عن «حلقات ضعيفة في مجال معيشة الشعب».
ورغم التحديات المشار إليها، أقرت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية بأنّ العام الحالي شهد «انطلاقة قوية» للصين بقيادة الرئيس شي جين بينغ، توازياً مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وتلويحه بحرب تجارية ثانية. إذ شهد شهر كانون الثاني إصداراً مفاجئاً لروبوت الدردشة من إنتاج شركة «ديب سيك»، والذي تم تصويره على أنه «لحظة سبوتنيك» جديدة في سباق الذكاء الاصطناعي بين الصين والولايات المتحدة. كذلك، تصدت بكين، طبقاً للصحيفة الأميركية، بـ«حزم»، لتعريفات ترامب الجمركية، ورفضت التنازل له، كما تجاهلت أيضاً محاولاته السابقة لتطويق موسكو، معنلةً عن شراكة وثيقة مع الأخيرة.
وبالحديث عن التعريفات الجمركية، فقد فرضت إدارة ترامب، الثلاثاء، تعرفة إضافية بنسبة 10 في المئة على السلع الصينية، لتضاف إلى نسبة مماثلة كانت قد فرضتها الشهر الماضي، لترد الصين، من جهتها، سريعاً بفرض رسوم تصل إلى 15 في المئة على مجموعة من المنتجات الزراعية الأميركية، جنباً إلى جنب إدراج أكثر من 20 شركة أميركية في القائمة السوداء.
ومن جهتها، أشارت صحيفة «وول ستريت جورنال» إلى أنّه بالنسبة إلى الصين، حملت الأشهر الأخيرة «أسباباً عدة» للتفاؤل، إذ كانت مبيعات العقارات تتعافى، وارتفع الاستهلاك بشكل قوي خلال عطلة «رأس السنة القمرية»، كما عزز التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي الثقة في أنّ القدرات التقنية للبلاد ستساعد في «دعم النمو الاقتصادي الطويل الأجل». واللافت، أنّ معظم المحللين الغربيين والصينيين كانوا يتوقعون أن يتم تحديد هدف النمو للعام القادم عند 5%، مستبعدين أن تجد «الجمهورية الشعبية» صعوبة في تحقيقه، بحسب المصدر نفسه.