زياد كاج... ذاكرة رأس بيروت

زياد كاج في سرديّته «خلف السور: 40 سنة عمل في الجامعة الأميركية في بيروت» (دار نلسن ـ يرفعه إلى عمّه محمد خير كاج) هي مذكراته عن تجربته موظّفاً في الجامعة الأميركية عبر ثلاث مراحل: أول 15 سنة في المستشفى «ككاتب طابق» في الحرب الأهلية. المرحلة الثانية امتدت إلى 12 سنة في «مكتبة صعب الطبية» في دائرة الاقتناء. والمرحلة الأخيرة والمستمرة حتى اليوم، كانت في «مكتبة يافث» في الحرم الجامعي بصفة مساعد أمينة مكتبة.
الأمر المضحك والقدري هنا، هو أنه خلال دراسته في الجامعة اللبنانية (كلية الإعلام)، هرب من قسم علوم المكتبات الذي كان يشرف عليه أستاذ قدير ومتشدّد، انتقل إلى قسم الصحافة لعدم رغبته في الدرس الجدّي والانضباط. إلا أنه بعد سنوات طويلة، وجد نفسه في مكتبة وكان أمامه تحدي اكتشاف هذا العالم الجديد، وتعلُّم أسرار المهنة التي لم يرغب فيها يوماً. في «مكتبة يافث»، التقى من جديد بأستاذه المسؤول عن قسم الفهرسة.
وزياد كاج لا يكتب ها هنا فقط من التجارب والذكريات الجميلة والمفيدة التي عاشها خلال ما يقرب من الأربعين في الجامعة، بل أيضاً عن تجارب وتحديات سلبية ومحبطة، بفضل نظام وقواعد العمل الواضح والصارم للمؤسسة، فالعمل يستمر وتستمر «الدواليب بالدوران» ويتعايش الموظفون من كل الملل والمناطق. لكن مؤلّف هذه السرديّة يرتدّ إلى صباه خارج أسوار الجامعة ليروي قصة دراسته في الجامعتين اللبنانية والعربية وارتياده سينما الحمرا في صغره، وانجذابه إلى صالة العرض الفخمة والشاسعة حيث الكراسي المخملية المختلفة الألوان وحيث كانت العتمة تسود تدريجياً ويبدأ العرض بالرسوم المتحركة وبموجز للأخبار المحلية، بالأسود والأبيض، نقلاً عن تلفزيون الدولة الرسمي، إذ لم يكن هناك غيره ويلي ذلك تحذير من التدخين أو الأكل والشرب في الصالة مع دعوة - وبصوت مُغرٍ – لزيارة الكافيتيريا قبل بداية عرض الفيلم.
تخرّج كاج في الجامعة اللبنانية بإجازة في الصحافة ووسائل الإعلام، وكان على وشك التخرّج من «جامعة بيروت العربية» في الأدب الإنكليزي، لكن سنحت له فرصة الوظيفة في الجامعة الأميركية في أواسط الثمانينيات. يعترف بأنه اكتسب كل خبراته ومعرفته وتجاربه الحياتية خلال ما يقرب من 40 سنة داخل الجدران الآمنة لهذه الجامعة. سرديّة/ مذكرات زياد كاج متعة في القراءة ولذّة في العودة إلى رأس بيروت بتفاصيل مُوحية، ذاكرة وعبرة. كتب المؤلف نصّه بدايةً باللغة الإنكليزية، ثم أعيدت كتابته باللغة العربية بناءً على نصيحة الناشر سليمان بختي، معترفاً بأن الكتابة بغير اللغة الأم تنطوي على شيء من الخيانة الثقافية والتنكّر للأنا وللذاكرة الجماعية المحفورة عميقاً في الوجدان القومي.
* ناقد وكاتب فلسطيني