«أبو رخوصة» بحلته الجديدة: سوق منظمة

لم تعد سوق «أبو رخوصة» فعلاً احتجاجياً فقط، أو ردّ فعل عفوياً، على خطاب طبقي يريد الاستئثار بالحيز العام. صارت سوقاً منظّمة إلى حد ما، إذ يحتاج الراغبون في المشاركة فيها إلى «حجز مسبق» للمساحة أو المنصة التي سيعرضون عليها بضائعهم، بحسب ما أعلنت حملة «بدنا نحاسب»، بوصفها الجهة المنظمة.

انطلقت فكرة سوق «أبو رخوصة» كتظاهرة ضد كلام أدلى به رئيس جمعية تجار بيروت نقولا الشماس، يومها قال إن «وسط بيروت سيبقى بالرقي ذاته، ولن نقبل أن يصبح أبو رخوصة». نزل أشخاص كثر إلى ساحة رياض الصلح مرتين، وافتعلوا ما يحاكي السوق الشعبية من دون أي رغبة في ممارسة أشكال من التجارة بل السياسة.
في المرتين السابقتين، حاول المشاركون والمشاركات تكريس وسط بيروت كمساحة عامة مفتوحة للفئات الاجتماعية كافة. أصرّوا على العفوية كشكل من أشكال تحدّي السلطة وشركة «سوليدير»، اللتين عملتا على تدمير الحيّز العام في وسط المدينة تمهيداً للسيطرة عليه وتحويله إلى مرتع للمضاربات على أسعار الأراضي ومنغلق للأثرياء وذوي المداخيل المرتفعة من المقيمين وغير المقيمين.
هذه المرّة ستكون السوق مختلفة. فقد تشكلت «لجنة تنظيم سوق أبو رخوصة»، وقدّمت إلى محافظ بيروت «علم وخبر» بهدف ترخيص نشاطها. ستتولى هذه اللجنة «تنظيم» الحيّز العام، إضافة إلى تنظيم «حجوزات» الراغبين في المشاركة في السوق.
أثار هذا التحوّل في الفكرة اعتراضات العديد من الناشطين والناشطات. هؤلاء عبّروا عن قلقهم من أن تتحوّل السوق إلى «فكرة تسويقية وأداة غير مباشرة من أدوات إعادة إنتاج النظام»، بحسب ما كتب الناشط هاني عضاضة على صفحته على الفايسبوك، إذ انتقد فكرة «حجز» المواطنين مكاناً لهم على «مساحة عامة»، وإذا «ما لحّقنا حالنا بتروح علينا». استند عضاضة إلى نص الدعوة والمنشورات المرفقة، إلا أن حملة «بدنا نحاسب» سرعان ما تنبّهت للأمر، فعمدت إلى تعديلها، وحذفت العبارات «التشجيعية» و«التسويقية»، وأوضحت أن الحجز والمشاركة مجانيان.
يردّ منظمو السوق أهمية الحجز إلى ضرورة تنظيم أعمال السوق، ومساعدة الناس «إذا احتاجت إلى طاولة أو غيرها، فالتنسيق أفضل من العجقة والفوضى، لنظهر وجهاً حضارياً لهذه السوق»، بحسب ما تقول سوزان مكي من لجنة التنظيم. تلفت مكي إلى أن هدف هذا النشاط هو «إعادة ذكريات أسواق بيروت الشعبية»، وتشير إلى أن تقديم «علم وخبر» لا يتعدى «الإجراءات القانونية»، التي تستوجب إبلاغ السلطات المعنية بالنشاط لتقوم بواجباتها في حماية المواطنين. ترفض مكي وضع المسألة في خانة الحصول على ترخيص أو إذن مسبق، «لأننا سننظم السوق حتى لو جاءنا الرفض من السلطات الرسمية المعنية».
تقول دموع حوري، وهي من لجنة التنظيم أيضاً، إن تقديم «العلم والخبر» هدفه إشعار المواطنين بالاطمئنان، «خاصة في ظل الأوضاع الأمنية الحالية».
اللافت في «سوق أبو رخوصة» هذه المرّة، أن لجنة التنظيم قامت بزيارة أسواق شعبية أخرى وطلبت مشاركة عدد من التجار. تعلّق الناشطة فرح قبيسي بأن تنظيم السوق بهذه الطريقة يعني «تفريغه من محتواه السياسي، وإعادة انتاج قيم الاستهلاك الرأسمالي».
تقول المحامية مريانا برو في اتصال مع «الأخبار» إن مفهوم «العلم والخبر» في المنحى القانوني، هو بمثابة الحصول على «ترخيص» لتنظيم تظاهرة أو نشاط، خاصة أن طلب «العلم والخبر» يفرض توقيع ثلاثة من المنظمين عليه على الأقل، إضافة إلى تحديد طبيعة النشاط ومكانه وتوقيته وساعة انتهائه، إضافة إلى أسباب تنظيمه.

الأكثر قراءة

محتوى موقع «الأخبار» متوفر تحت رخصة المشاع الإبداعي 4.0©2025

.يتوجب نسب المقال إلى «الأخبار» - يحظر استخدام العمل لأغراض تجارية - يُحظر أي تعديل في النص، ما لم يرد تصريح غير ذلك

صفحات التواصل الاجتماعي