هادي زكّاك مؤرّخ وراوي «سيلَما»

يغمرنا الفيلم بقصص الحبّ والحروب التي عكست ملامح الحياة في طرابلس عبر صالاتها السينمائية
يغمرنا الفيلم بقصص الحبّ والحروب التي عكست ملامح الحياة في طرابلس عبر صالاتها السينمائية

«سيلَما»، فرادة كامنة في صور ثابتة ممتدة على مساحة فيلم. صورٌ لا تتحرك بل تنساب فوقها الكاميرا. هادي ذكّاك يروي قصته متكئاً على الصور الثابتة من دون أيّ حركة محسوسة. الرواية هنا هي العنصر الأهم، نقّحها بالأصوات وكلمات المتكلمين الدافئ.

الصوت والحبكة يخترقان جمود الصورة، هكذا يعوّض المخرج اللبناني غياب الحركة.

«سيلَما» يقيّدنا به. تضرب الصور الثابتة المشاعر، يلامس تأثيرها التنويم المغناطيسي، فنشعر بالعجز أمام الشاشة، بالأصفاد التي تكبّلنا للتسمّر والإنصات منذ البداية حتى النهاية.

الصور الفوتوغرافية وصور الأفلام والكلمات المنطوقة تثير مناخاً مثيراً للقلق، فيتجاوز التأثير حدود الصورة ومحدودية الحركة.

يأخذنا «سيلَما» إلى حدود الوقت ومحيط الذاكرة وأثر اللحظة لنصل إلى أوان انكسار حاجز الزمن.

زكّاك مؤرخ وراوي قصص، وأيضاً عاشق سينمائي انتقائي، يستعرض في فيلمه الوثائقي الجديد تاريخ صالات السينما المهجورة في مدينة طرابلس في شمال لبنان.

من خلال ألف صورة وأربعين شهادة صوتية، نراقب كأننا نجهل المستقبل، نخشى قدومه، ونأمل أن تتغيّر مجرياته.

يغمرنا الفيلم بقصص الحبّ والحروب التي عكست ملامح الحياة في المدينة عبر صالاتها السينمائية الشهيرة: «أمبير»، و«روكسي»، و«أوبرا»، و«ريفولي»، و«بالاس»، و«كولورادو»، وغيرها. «سيلَما»، نوع من الوثائقيات كان يسهل أن ينحرف نحو الطرح الأكاديمي الجاف، مما قد يفقد الفيلم الكثير من عاطفته. لكن زكّاك تمكّن ببراعة من السير على الحافة، فلم يجعل فيلمه يغرق في الطرح الأكاديمي الصارم، ولا في العاطفة المفرطة. بدلاً من ذلك، حافظ على توازن دقيق جعله أكثر واقعية وإيجازاً بشكل مؤثر.

في «سيلَما»، لا مفر من قصة الحب الحزينة مع السينما في طرابلس، التي تضيع بين طيّات الزمن والذاكرة. الفيلم معركة رجل يطارد ذكرى معينة في معركة ضد الزمن.

يكشف الفيلم جدلية الجمود، وتراكمات الزمن، تماماً كما صور أنقاض صالات السينما المهجورة في طرابلس. هناك تراكم بقايا الماضي المرفوض، يضاف إليه الحاضر المتجاهل وتستخلص منه شهادات أولئك الذين تمّ إسكاتهم ونسيانهم في هذه الأنقاض.

رغم ثبات الصورة، إلا أنّ «سيلَما» يحرّك مشاعرنا، ذاكرتنا وعقولنا. هو قصة رجل تلبّسته صورة من الطفولة.

* «سيلَما» في «سينما متروبوليس» ـ metropoliscinema.net

الأكثر قراءة

محتوى موقع «الأخبار» متوفر تحت رخصة المشاع الإبداعي 4.0©2025

.يتوجب نسب المقال إلى «الأخبار» - يحظر استخدام العمل لأغراض تجارية - يُحظر أي تعديل في النص، ما لم يرد تصريح غير ذلك

صفحات التواصل الاجتماعي