«ولاد الشمس» يواجهون ظلم الحياة والمجتمع

مشاهد الملاكمة تشبه مشاهد فيلم Fight Club
مشاهد الملاكمة تشبه مشاهد فيلم Fight Club


- إحنا ولاد مين؟
- أنتوا ولاد الشمس
تبدأ حكاية مسلسل «ولاد الشمس» (قناة CBC) بهذه الجملة مع سرد تعريفي عن الشخصيات، لندخل في عالم من تأليف مهاب طارق، وإخراج شادي عبد السلام. عالم دار الأيتام ومجهولي النسب.

عالم هو كشمس في وضوحه، يمكن له يكون حارقاً أو دافئاً. عالم مبني على ظلم وجودي وبحث مستمر عن العدالة بمعانيها المثالية غير القابلة للتحقق، والبحث عن إمكانات حياة ضمن محاولات تمرّد على الظلم الوجودي أولاً، وعلى ظلم المجتمع ثانياً. يتأرجح أبطال العمل «ولعة» (أحمد مالك) و«مفتاح» (طه طسوقي)، بين المثالية وإمكانية الحياة.

ندخل إلى عالم دار الأيتام «دار الشمس» المملوك والمُدار من قبل «ماجد العيسوي» (محمود حميدة) أو «بابا ماجد» كما يسمّيه الأطفال. نرى أنه يستغل الأطفال في العمل في المخدرات، ونرى رفض «ولعة» و«مفتاح» هذا الاستغلال ليعقدا معه اتفاقاً يقضي بإدخال مبلغ شهري من السرقة مقابل ألا يعمل باقي الأطفال في المخدرات. لكن «ماجد» لا يحترم هذا الاتفاق ويخرقه أكثر من مرة.

من هنا تتولد الأحداث ويُبنى الصراع ما بين «ماجد» الذي يهمّه المال وإبقاء سيطرته على الدار والأطفال، وبين «ولعة» و«مفتاح» اللذين يرغبان في إنقاذ الأطفال من العمل القذر. وضمن هذا الصراع، تدخل شخصية الصحافية التي تريد فضح صاحب الدار عبر الحصول على وثائق تثبت استغلال الأطفال، وهي أوراق استيراد أدوية مخدرة. ومن ضمن هذه الوثائق يوجد شهادتا ميلاد (إلى الآن) لا نعرف لمن هما.

تراوح أشكال الصراع ما بين شكلها المباشر عبر التحدي وهرب الأطفال من الدار أو تهديد «ماجد» في الكثير من المشاهد والمواقف، وبين شكلها غير المباشر عبر الحصول على الوثائق الذي يريدها «ياسين» (ضياء عبد الخالق) وهو شريك قديم لـ «ماجد» ولكن لا نعرف عنه الكثير، إلا أنه يريد هذه الوثائق بشدة. وهذا ما تكشّف من الأحداث والصراعات في الحلقات الست الأولى، منتظرين تكشّف باقي التفاصيل وأبعاد الشخصيات ومستويات الصراع، فقد تميز السرد في الحلقات المعروضة بالإيقاع المشدود وكثافة الأحداث ومنطقيتها.

أضاف أداء محمود حميدة الكثير إلى شخصية «بابا ماجد»

كما تتميز الشخصيات بكثافتها الخاصة التي تظهر أولاً على صعيد النص من لغتها وماضيها ورغباتها وتوافقها مع سلوكها وأفعالها وآلية تفكيرها. أداء الممثلين أضاف حياة وأبعاداً نفسية مهمة لشخصيات، فقد كان الأداء مضبوطاً يضيف لهذه الشخصيات خصوصيةً تجعل من السهل الدخول إلى عالمها والتورط العاطفي مع ما تعيشه.

شخصية «ماجد العيسوي» تتميز بلغتها وخطابها التي تُظهر لنا شخصية المتلاعب بالناس واستغلال وضع الأطفال المحرومين من عوائلهم ولديهم شعور دفين بالذنب.

يلعب بطريقة ذكية على هذا الشعور بالذنب عندهم، كما أضاف أداء محمود حميدة الكثير إلى الشخصية رغم أننا لم نتعرف إلى ماضي الشخصية ولم نر أبعاداً إنسانية أخرى غير أنه شرير مطلق، ولكن من الواضح أنّ الأحداث ستحمل لنا قصص «البابا ماجد» التي ستكشف أبعاداً أخرى من الشخصية التي من الواضح جداً وجودها.

أما شخصية «مفتاح»، الولد الذي تم تبنيه لمدة ثلاث سنوات من عمر السادسة حتى التاسعة، وبعدها أعيد إلى الدار لأن العائلة التي تبنته رُزقت بصبي، فنجد أثر هذا الحدث واضحاً في شخصيته، إذ غالباً ما يسأل نفسه: ماذا لو لم أعُد إلى الدار؟ يتجلى هذا الأثر أيضاً في علاقة الحب التي يعيشها مع «سعاد» التي تستغلّه بطريقة واضحة وتأخذ منه النقود بحجج واهية. كما أنها تواطأت مع «ماجد» مقابل المال، فنجد أنه متعلق بالاستغلال العاطفي، ويسعى إلى التخلص من هذا الاستغلال في كل أشكاله لكنه ما زال عالقاً، يتميز برجاحة عقله والتفكير في المستقبل.

أما شخصية «ولعة»، الولد الذي جاء إلى الدار مع صورة لامرأة مع ولد صغير، يعتقد أنها أمه، ويسأل كل من يراه في الشارع عنها، فتتجلى رغبته الأساسية في إيجاد والدته، إلى جانب إنقاذ أطفال الدار. رغبته هذه تترك أثراً واضحاً في شخصية «ولعة» يظهر في علاقته العاطفية مع «سحر»، المرأة التي تكبره بالعمر ولديها طفل مراهق. نرى عقدة أوديب واضحة عند «ولعة» الشاب المتهوّر الذي يرغب أيضاً بأن يكون ملاكماً مشهوراً، لكنّه يخوض معارك في كاراج مهجور مقابل مراهنات غير شرعية.

كما ذكرنا سابقاً، إنّ كثافة الأحداث وخلق أبعاد متعددة للشخصيات جعلا من الحكاية متماسكةً لا تمشي في خط واضح صريح، بل هي معقّدة كالحياة، مليئة بالرغبات والصراعات. كما أنه تم العمل على انعكاس عقد النقص في شخصيات الأطفال على أساليب حياتهم وماهية بحثهم في الحياة مثل مفهوم الحب. إذ يبحثون عما ينقصهم كـ «ولعة» أو ما عاشوه وأذاهم كـ «مفتاح»، ويتمسّكان بحبهما «لإخوتهم» والتزامهما الأخلاقي بهم رغم أنهما أصبحا في العمر القانوني الذي يسمح لهما بالخروج من الدار.

لكنّ المسلسل خلق لنا عالماً بأبعاده المختلفة، ومعه أشخاص فريدون لديهم منظومتهم الأخلاقية الخاصة. لديهم أحلامهم ورغباتهم وطرقهم في تحقيق العدالة المبنية على وجودهم المنبوذ من المجتمع وعلى شعورهم الداخلي بأنّهم غير مرغوب فيهم، بسبب ترك أهلهم لهم في الدار. هذا ما يجعل بحثهم عن الحياة والحب والعدالة مختلفاً ومعقداً، ورحلتهم في اكتشاف ذواتهم واكتشاف العالم مختلفةً تحمل مستويات كثيرة.

وهذا ما استطاع صنّاع العمل تقديمه ببراعة إلى الآن على أمل الإكمال على هذه الطريق إلى نهاية المسلسل.
كما أنه الجدير بالذكر الجمالية البصرية والإخراجية لكثير من المشاهد، مثل مشاهد الملاكمة التي تشبه مشاهد فيلم Fight Club ومشهد سردهم لأحلامهم بعد هروبهم من الدار، وأخيراً المشهد وهم يمشون في الشارع ليلاً وهم يغنون أغنية الشيخ إمام «إذا الشمس غرقت في بحر الغمام».

* «ولاد الشمس»: 21:45 بتوقيت بيروت على قناة CBC
* الإعادة: 2:45 صباحاً – 12:15 ظهراً.

الأكثر قراءة

محتوى موقع «الأخبار» متوفر تحت رخصة المشاع الإبداعي 4.0©2025

.يتوجب نسب المقال إلى «الأخبار» - يحظر استخدام العمل لأغراض تجارية - يُحظر أي تعديل في النص، ما لم يرد تصريح غير ذلك

صفحات التواصل الاجتماعي