وعلى غِرار الإملاءات العسكرية والأمنية، أرغمت الدولتان حكومة عدن، خلال الأشهر الماضية، على إجراء «إصلاحات» بهدف تيسير وصول الوديعة، وخصوصاً أن القطاع المصرفي شهد فوضى عارمة في الفترة الأخيرة، فيما أدّت المضاربة بالعملة دوراً محورياً في فقدان «المركزي» الثقة به لدى المؤسّسات النقدية الدولية، فضلاً عن المؤسّسات المحلّية. وإذ يبدو من غير المنطقي تحميل الحكومة وحدها مسؤولية تلك الفوضى، وخصوصاً أن القيادتَين السعودية والإماراتية تتحكّمان بالملفّات كافة في المحافظات الجنوبية، فقد رأت مصادر سياسية جنوبية، في حديث إلى «الأخبار»، أنه «إنْ لم تكن مسؤولية الانهيار محصورة بالرياض وأبو ظبي فقط، فإنهما من دون شكّ شريكتان في كلّ ما يحدث، وخصوصاً أن عمليات الاستيراد والتصدير، وأيضاً المضاربة بالعملة، جميعها تمرّ عبر المسؤولين السعوديين والإماراتيين المشرفين على الملفّ اليمني». وأوضحت المصادر أن «المضاربة في عدن تُكسب أبو ظبي نحو 100 مليون دولار شهرياً، عن طريق خفْض سعر الريال اليمني مقابل الدولار إلى 800 ريال للدولار الواحد، ومن ثمّ رفْعه إلى 1200 ريال، وذلك بالاشتراك والتعاون مع نحو 150 مصرفاً محلّياً».
عمليات المضاربة بالعملة في عدن تُكسب أبو ظبي نحو 100 مليون دولار شهرياً
من هنا، تُطرح تساؤلات حول ما إذا كانت السعودية والإمارات استفاقتا فجأة إلى أهمّية معالجة المشاكل الاقتصادية، أو أن أسباباً أخرى دفعتْهما إلى استعجال عملية الإنقاذ، مِن مِثل تلك التي أوردها «مركز الإمارات للسياسات» قبل أسابيع، تحت عنوان «العودة إلى مربّع العجز»، حيث تحدّث عن نُذُر أزمة اقتصادية جديدة تُواجه الحكومة في عدن، ستقيّد إمكاناتها للوفاء بواجباتها تجاه المواطنين، والاستمرار في دفْع مرتّبات موظّفي القطاع العام، وتمويل التشكيلات العسكرية والأمنية التابعة لها، كما ستؤدّي إلى انهيار إضافي في سعر العملة. ونبّه المركز إلى أن الخطورة تكمن في أن الانهيار الوشيك قد يثير موجة من التوتّرات والاضطرابات الاجتماعية، ستُضعِف قدرة السلطات الموالية لـ«التحالف» على تأمين مناطق سيطرتها، وستؤثّر سلباً على إدارة الصراع مع «أنصار الله».
وكانت صنعاء قد تمكّنت من فرْض معادلة جديدة، شلّت من خلالها حركة الموانئ في المحافظات الشرقية والجنوبية، وأفقدَتَ الحكومة المُنافِسة لها أهمّ مواردها لتمويل قوّاتها العسكرية والأمنية، ما جعل هذه القوّات عرُضة للتفكّك والتلاشي، حتى في ظلّ الدعم السعودي - الإماراتي، الذي بات محدَّداً هذه المرّة بوديعة مشروطة تهدف إلى الحفاظ على الواقع الاقتصادي الراهن، لا إلى تحسينه. ويعني ما تَقدّم أن ذلك الدعم سيحافط على سلاسل التوريد للسلع الرئيسة، وسيكبح جماح الدولار مقابل الريال وفق السقف الحالي للسعر فقط، ولن يردم الفجوة التي تعانيها حكومة «المجلس الرئاسي» في ما يتعلّق بميزانيات الملفّات الأمنية والعسكرية، كما لن يحلّ إشكالية المرتّبات المتوقّفة والمتأخّرة، ولا ملفّ الخدمات، وخصوصاً منها الكهرباء.