مقالات مرتبطة
-
سلسلة إمداد مأرب: تحولات تكسر الخطوط الكبرى رشيد الحداد
في غضون ذلك، كان «القاعدة» قد انسحب، من دون قتال، من المدن الرئيسة إلى معاقل جبلية، لكن التشكيلات المسلّحة، التي درّبتها ودعمتها الإمارات، قادت، ولأوّل مرّة، حملات باتجاه تلك المعاقل، التي عاد التنظيم وانسحب منها إلى محافظة البيضاء ومناطق في محافظة مأرب ووادي حضرموت. وعلى الأرجح، تجنَّب «القاعدة» خوض مواجهات للدفاع عن مناطق نفوذه، خشية أن تتوتّر علاقته بالقبائل، على اعتبار أن المجاميع المسلّحة المدعومة إماراتياً تشكّلت من أبناء المحافظات نفسها التي ينتمي إليها أيضاً عدد كبير من أعضاء التنظيم وقادته. وفي مناسبات عدة، دعا «القاعدة»، قبائل الجنوب، إلى منع أبنائها من الالتحاق بميليشيات «الحزام الأمني» و«النخبة الشبوانية» و«النخبة الحضرمية».
ستساهم أحداث البيضاء الأخيرة في تعميق تراجع نفوذ التنظيم
في البيضاء، تَركّز التواجد الجديد للتنظيم في مديريتَي الصومعة والزاهر، وقبل ذلك في مديرية ولد ربيع، التي كان قد انسحب إليها إثر خسارته المواجهات مع «أنصار الله» أواخر العام 2014. لكن ولد ربيع لم تكن خالصة لـ«القاعدة»، إذ دخل منافس جديد على الخطّ، هو تنظيم «داعش» الذي انسحب من عدن إلى يافع في محافظة لحج، ومنها إلى تلك المديرية، نظراً إلى وجود موالين له من أبنائها. وامتداداً لمعارك التنظيمَين في سوريا، دخل فرعاهما اليمنيان في مواجهات عنيفة في ولد ربيع، التي تقاسما السيطرة عليها ابتداءً من العام 2017، قبل أن تنتهي المواجهات وينتهي معها وجودهما في المديرية، إثر عملية عسكرية لـ«أنصار الله» عام 2020. وبخسارة «القاعدة» لهذا المعقل المهمّ، تَقلّص نفوذه، ليتركّز في مديريّتَي الزاهر والصومعة في البيضاء، إلى جانب تشكيلات سلفية تلتقي معه عند نقطة الحرب العقائدية ضدّ «أنصار الله».
ولأن حرب التنظيم ضدّ «أنصار الله» في الزاهر والصومعة لم تتّخذ طابع المواجهات التقليدية المباشرة التي تنتهي بالسيطرة على منطقة أو بخسارتها، فقد تمكّن من الإبقاء عليهما كمنطقتَي نفوذ. غير أن هذا النوع من العمليات لم يناسب التشكيلات السلفية التي يبدو أن حالة الملل من استمرار الحرب على النحو المذكور دفعتها إلى استدعاء قوّات أخرى من خارج المحافظة مطلع الشهر الماضي، والإعلان عن عملية عسكرية لـ«تحرير» المديريتَين. وعلى رغم أن العملية العسكرية انطلقت تحت غطاء جوّي من مقاتلات التحالف السعودي، إلا أن المواجهات انتهت في غضون أيّام، بسيطرة «أنصار الله» على أجزاء واسعة من الزاهر والصومعة.
من المهمّ الإشارة، هنا، إلى أن فرع «القاعدة» اليمني تواجَد بقوة في المديريتَين المذكورتَين خلال السنوات الماضية، إلّا أنه لم يكن يسيطر عليهما، ما يعني أن تواجده فيهما قد يستمرّ، لكن بصورة أقلّ، ومع وجود صعوبة في التحرّك والاحتكاك بأبناء القبائل. أيضاً، لن تكون الزاهر والصومعة مكاناً مناسباً لإقامة قادته الكبار أو المهمّين، والذين قد يضطرّ لنقلهم إلى مناطق آمنة في محافظات يمنية أخرى، بما ينطوي عليه هذا الأمر من مخاطر أمنية. لكن الأسوأ مما تَقدّم كلّه، بالنسبة إلى التنظيم، هو أنه فقد المناطق التي ظلّت، طوال السنوات الأخيرة، بمثابة ساحة لإثبات وجوده وعدم تراجع قوّته بعد مقتل معظم قادته الكبار بغارات أميركية، وبعد الخلافات الداخلية والانشقاقات التي عصفت به، وذلك من خلال العمليات التي كان ينفّذها ضدّ «أنصار الله». وهكذا، ستساهم أحداث البيضاء الأخيرة في تعميق تراجع نفوذ التنظيم، كما ستحدّ، بشكل كبير، من نشاطه وقدرته على تنفيذ عمليات، داخلية أو خارجية.