لا ربط لانصراف الدول المعنية بحادثة الصحافي السعودي جمال خاشقجي، لا سيما واشنطن والرياض وأنقرة، إلى متابعة تداعيات الأزمة وما ينتج منها يومياً من مستجدات، بالجمود العسكري والسياسي في الحرب على اليمن. فلم يطرأ أي تحول في العلاقات الخارجية للرياض، أو الحرب التي تشنها الأخيرة على اليمن. ولم تناقش واشنطن حليفتها الرياض في الملفات الاستراتيجية المشتركة في المنطقة، أو إنها انتقلت إلى حلفاء آخرين لمساعداتها في تنفيذ مشاريعها. وتبقى هذه الملفات، وهي كثيرة (الحرب على اليمن، صفقة العصر، العقوبات على إيران، سوريا، العراق...)، قائمة وتعمل كل من واشنطن ورياض على إبقاء الروح فيها. وهذا ما أكده أول من أمس الناطق باسم البنتاغون روبرت مانينغ، إذ قال: «لا دخل لنا بحادثة خاشقجي ولا تغيير في التعاون العسكري مع الرياض ودعم حرب اليمن».ويبدو أن التردد والتذبذب الكبير للرئيس الأميركي دونالد ترامب، حيال أزمة خاشقجي وخشيته من اتخاذ موقف قوي ضد الرياض، له ارتباط باندماج عضوي بالمصالح الأميركية السعودية، ومن الصعوبة بمكان فك الارتباط والبحث عن بدائل. كما أن البحث عن استراتيجية جديدة بحاجة إلى استدارة ومناورات سياسية كبيرة لا تتوافر بالوقت الراهن، خصوصاً أن واشنطن فشلت في ملفات كثيرة في المنطقة. وإن بدأ ترامب في الساعات الماضية بالتصعيد تجاه الجانب السعودي فلاضطراره إلى مسايرة الرأي العام الأميركي الغاضب جراء الوحشية التي قتل فيها خاشقجي، فضلاً عن الحرج من ما سماه «خيانة الثقة»، في إشارة إلى الثقة التي قدمها إلى ولي عهد السعودية محمد بن سلمان، بالإضافة إلى تزايد مطالب أعضاء الكونغرس في الحزبين «الجمهوري» و«الديموقراطي» بفك الارتباط مع ابن سلمان أو العمل على عزله.
وبالعودة إلى اليمن، من الصعب، بل من المبكر، ربط الجمود العسكري والسياسي الراهن في الحرب اليمنية بأزمة خاشقجي، لأن سنوات الحرب الماضية كانت تشهد جموداً عسكرياً في أكثر من مرحلة، لا سيما بعد فشل «التحالف» في رهاناته العسكرية، فكان يعمد إلى تجميد النشاطين السياسي والعسكري إلى حين اختيار جبهة أخرى ورهان آخر، وهذا حصل مراراً. وإن صرفت قضية خاشقجي الأنظار والرأي العام العالمي باتجاه تلك القضية، لكنها لم تغير الوقائع على الأرض، ولم تخفف من فظاعة الحرب ومن الإصرار السعودي الإماراتي على ارتكاب الجرائم بحق المدنيين اليمنيين كما حصل في مجزرة الحديدة التي قتل فيها 20 طفلاً وامرأة الأسبوع الماضي، من دون أن يرف للرأي العام العالمي جفن.
قضية خاشقجي صرفت الأنظار لكنها لم تغيّر الوقائع


فـ«التحالف العربي» في وضع حرج للغاية جراء انسداد الأفق السياسي والإخفاقات العسكرية المتتالية والضيق السعودي الإماراتي جراء فشلهما في الحرب، وهذا عمره ثلاث سنوات، وليس فيه شيء جديد. وعلى رغم ذلك، الطرفان (السعودي والإماراتي) يصرّان على عنادهما. كما أن المشاركة الأميركية في الحرب لا تزال على حالها، وتشارك واشنطن بفعالية في هذه الحرب من خلال تقديمها المعونة الاستخباراتية واللوجستية والفنية وتزويد الطائرات بالوقود بالجو، فضلاً عن وجود فرق عسكرية أميركية برية مهمتها تحديد الأهداف للطيران. بالإضافة إلى تأمين الحماية السياسية في المحافل الدولية ومجلس الأمن.
يذكر أن «التحالف» فشل في إسقاط مدينة الحديدة بعد أن حاول إسقاطها بهجمات متكررة خلال الأشهر الأربعة الماضية. إذ شنت القوات الإماراتية والسودانية وفصائل جنوبية يقدر عديدها بـ 20 ألف مقاتل، وكذلك قوات شمالية بقيادة طارق صالح ابن شقيق الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، يعملون كمرتزقة مع الإماراتيين في الساحل الغربي، لما سمّوه «تحرير الحديدة»، في محاولة لعزل ميناء المدينة الذي يغذي المحافظات الشمالية المقدر عدد سكانها بـ 20 مليون نسمة بالمواد الغذائية والمشتقات النفطية. وعلى رغم الحشد العسكري والسياسي والإعلامي وتصوير المعركة بأنها أم المعارك، فإن الهجمات المتكررة فشلت في تحقيق أهدافها.
وقد تكبدت القوات الغازية خسائر بشرية وعسكرية فادحة، الأمر الذي أثر في معنويات الفصائل الجنوبية التي تعمل مع القوات الإماراتية كمرتزقة، وأضعف الروح القتالية لدى عناصرها، بالإضافة إلى وقوع القوات الغازية في حرب استنزاف طويلة ليست مؤهلة، أو حتى مستعدة، لخوضها. ترافقت الإخفاقات العسكرية مع انهيار شامل للاقتصاد وهبوط الريال اليمني مقابل الدولار الأميركي. وإن هدف «التحالف» إلى التلاعب بالريال اليمني للضغط الجماهيري على «أنصار الله»، إلا أن التأثير الأكبر لتلك الخطة انعكس على المحافظات التي تسيطر عليها قوات «التحالف»، ما أثار احتجاجات كبيرة في المحافظات الجنوبية خرج فيها آلاف المواطنين في تظاهرات محملين مسؤولية تردي الوضع الاقتصادي وسقوط الريال لدول «التحالف»، وتعمدت الجماهير إحراق أعلام الإمارات وصور الملك سلمان، في سابقة لم يشهدها الجنوب منذ احتلاله عام 2015.