في مقابلة تلفزيونية، قال الناشط البريطاني سام والتون، الذي هاجم مستشار وزير الدفاع السعودي والناطق باسم العدوان على اليمن، أحمد عسيري، إن ما أقدم عليه هو لإلقاء القبض على مجرم حرب، بوصفه مدافعاً عن جرائم النظام السعودي بحق الشعب اليمني. وتساءل والتون: ماذا كان يفعل العسيري هنا؟ ولماذا نسمح لمجرم الحرب هذا بأن يجوب في شوارع لندن، معيداً إلى الأذهان الإدانات من الأمم المتحدة و«هيومن رايتس ووتش» والعفو الدولية.
وكان محتجون قد أطلقوا هتافات أول من أمس تصف السعودية بقتلة الأطفال احتجاجاً على زيارة العسيري لبريطانيا، ورشقوه بالبيض الفاسد وهو يستعد للمشاركة في اجتماع المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في لندن. وتعطي حادثة الهجوم على العسيري في لندن صورة عن أن خرقاً في جدار الطوق السميك حدث بعدما أحاطت السعودية نفسها به عبر المنظومة الإعلامية والمالية والاقتصادية وشركات العلاقات العامة للتغطية والتستر على جرائم العدوان. وطبعاً، بالاستفادة من التبني الكبير من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وتوفير مظلة سياسية واسعة وحماية قانونية لها في المحافل الأممية ومنظمات حقوق الإنسان، بالإضافة إلى مشاركتهما بالعدوان على المستويين العسكري والاستخباري.
ولعل الفعل الجريء الذي أحدثه الناشط البريطاني ورفاقه على العسيري هو التعبير الأقوى في تسجيل الاعتراض عن عجز المنظمات الدولية وفشلها في ردع العدوان على الشعب اليمني، كما سجل في فعلته تمثيلاً للشرائح الشعبية الرافضة للعدوان ودعم بلادها له، لكن هذا الفعل في لندن، يبقى يتيماً ما لم يتبع بزيادة النشاط الحقوقي والإنساني للمنظمات المعترضة على مشاركة لندن وتغذيتها بالسلاح مع حليفتها واشنطن للحرب على اليمن.
سبق الخرق الذي أحدثه والتون خروج أصوات تابعة لمنظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية في لندن للضغط عليها لوقف تصديرها السلاح والذخائر للسعودية. لكن تلك الأصوات ليست بالقوة الكافية للضغط على الحكومة البريطانية بترك الانحياز إلى الجانب السعودي. فلا تزال الحكومة البريطانية من كبار موردي السلاح إلى الرياض حتى المحرم دولياً، مثل القنابل العنقودية التي أكدت التقارير أنها استخدمت على نطاق واسع في الأحياء السكنية في اليمن، كذلك فإن الخبراء العسكريين البريطانيين موجودون بكثافة في إدارة المنظومات الفنية ومنظومة صواريخ الباتريوت، بالإضافة إلى وجودهم الدائم في غرف العمليات العسكرية التي تدير الحرب.
وكانت «منظمة العفو الدولية» قد أصدرت بياناً في 23 آذار الماضي قالت فيه إن أميركا وبريطانيا تؤججان الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان في اليمن التي سبّبت معاناة مدمرة للمدنيين عبر عمليات نقل للأسلحة بمليارات الدولارات إلى المملكة السعودية، وتطمس إلى حد كبير كل أثر لجهودهما الإنسانية لمواجهة الأزمة. حتى إن عسيري نفسه في مقابلة أمس مع إحدى الصحف الخليجية الصادرة في لندن اعترف بأن هناك غرفة عمليات مشتركة في شرورة تجمع الولايات المتحدة والسعودية والإمارات، وتنسق في جميع العمليات في الأراضي اليمنية.
في السياق، من يقرأ مقابلة عسيري الأخيرة يخلص إلى نتيجة واحدة، هي أن الرجل بما يمثل يستخف بالمنظمات الإنسانية وهيئات الأمم المتحدة المهتمة بالإغاثة، ويتعاطى كأن النظام السعودي غير عابئ أو مبالٍ بالتقارير الأممية للانتهاكات السعودية في اليمن، وهو ليس مضطراً إلى تغليف تصريحاته بنوع من الديبلوماسية أو حتى إضفاء نوع من الغموض عليها، وذلك بالاعتراف بأن هناك عمليات عسكرية قائمة، وضرورة العمليات اتخاذ إجراءات ضد بعض البنى التحتية من جانب آخر.
وفيما يعلم الجميع أن اليمن يخضع لحصار بري وبحري وجوي، فإن العسيري يضلل الرأي العام بالادعاء أنه لو كان هناك نيات تدميرية كما يقول بعضهم ويردد، لما كان مطار صنعاء ومطار عدن وميناء الحديدة والمخا مفتوحة جميعها، فيما الحقيقة أن مطاري الحديدة وصنعاء مغلقين تماماً: الأول منذ اليوم الأول للعدوان، والثاني منذ أكثر من سنة.