على الرغم من أن مصر مثلّت العرب في النسخة الثانية من كأس العالم عام 1934، إلا أن فرصة العودة كانت مستعصية على مدار عقود. انتهى انتظارهم الطويل في نهاية المطاف في 1990، عندما نجح جيل ذهبي بقيادة المدرب الراحل محمود الجوهري بإعادة الفراعنة إلى الحدث. كان الفريق المصري في المجموعة الأصعب في البطولة، إلا أن المصريين أثبتوا أنهم قادرون على لعب مباراة بتكتيك عال. دفعوا بقوة من أجل حجز مكان في مرحلة خروج المغلوب. وعلى الرغم من أنهم وصلوا في نهاية المطاف إلى مرحلة قصيرة، خرجوا بنقطتين وهدف وحيد، إلا أنهم لم يتمكنوا من تكرار هذا الهدف في السنوات الآتية. وبالفعل، فإن المركز «الأسطوري» الممنوح لضربة مجدي عبد الغني قد نما مع كل بطولة لاحقة لكأس العالم التي غابت عنها مصر. وهو الجفاف الذي استمر 28 عاماً ــ على الرغم من أن مصر تملك جيلاً موهوباً فاز بثلاثة ألقاب أفريقية متتالية في نفس الفترة ــ وانتهى بتأهل الفريق لروسيا 2018.

أرقام

■ لم يستقبل المنتخب المصري طيلة التصفيات سوى 3 أهداف
■ سجل الفريق المصري في تصفيات مونديال روسيا 11 هدفاً
■ في تصفيات مونديال 2010 سجّلت مصر 22 هدفاً
■ في تصفيات مونديال 2017 سجّل المصريون 18 هدفاً
■ في تصفيات كأس العالم 1990 تلقت مصر هدفاً من ليبيريا وهدفاً من مالاوي
■ أشهر أهداف 1990 هو هدف حسام حسن في التصفيات الذي ضمن العبور على حساب الجزائر


حكاية العالمية الكروية بدأت في تلك اللحظة تحديداً. كانت قرعة تصفيات كأس العالم 1990 قد وضعت مصر في مجموعة ضعيفة خلت من القوى الإفريقية التقليدية، وضمت ليبيريا وكينيا ومالاوي، وبالرغم من هذا إلا أن التأهل عن المجموعة لم يكن سهلاً في ظل بناء فريق جديد شاب وتجربة العديد من المواهب البعيدة عن الأهلي والزمالك. في الوقت نفسه كان الجوهري يمنح الفرصة للشباب كي يرسخوا أقدامهم في الهيكل الأساسي للمنتخب، هاني رمزي (20 عاماً)، التوأم حسن وأشرف قاسم (23 عاماً) أحمد رمزي وأحمد الكأس، وهشام عبد الرسول (25 عاماً)، فضلاً عن الاحتفاظ بعناصر الخبرة المتمثلة في قائد الفريق جمال عبد الحميد (32 عاماً) ومجدي عبد الغني (30عاماً) أحمد شوبير وربيع ياسين (29 عاماً). ورغم كل الصعوبات التي واجهت المنتخب في ذاك الوقت، وتصاعد الخلافات بين الجوهري وطاهر أبو زيد لأسباب تتعلق بالأندية، نجح المنتخب في خطف بطاقة الترشح لكأس العالم 1990 من بين أنياب المنتخب الجزائري القوي والمدجج بكبار المحترفين في أوروبا وعلى رأسهم رابح ماجر.
22 نجماً تم الإعلان عنهم بعد انتهاء معسكر المنتخب في أوروبا والذي كان بديلاً من إلغاء الدوري وكأس مصر حسب طلب الجوهري في وقتها. هكذا سافر المنتخب المصري إلى إيطاليا عازماً على تأدية أداء مشرف، على الرغم من أن القرعة وضعته في مجموعة صعبة للغاية. كانت هولندا قد فازت ببطولة أوروبا قبل عامين، وكانت إنكلترا تمتلك لاعبين ممتازين يتمتعون بخبرة هائلة، كذلك لعبت ايرلندا بقوة بدنية رهيبة. اللقاء الأول كان ضد هولندا. في ذلك الوقت كان المنتخب يضج بأسماء كبيرة لا يمكن أن تراهم سوى على التلفزيون. جيل ميلان التاريخي. تحدث عبد الغني، الذي ترك بصمة لا تمحى في كرة القدم المصرية أثناء ظهوره في نهائيات كأس العالم الثانية: «عندما رأينا هؤلاء اللاعبين وجهاً لوجه، تلك النخبة من نجوم العالم، مثل غوليت، فان باستن، رايكارد وكومان، كان الشعور: كيف يمكننا الصمود، وماذا ستكون النتيجة اليوم؟». مع ذلك كانت النتيجة التعادل. كيف حقق الفريق مثل هذه النتيجة المذهلة؟
في كرة القدم، تعكس شجاعة اللاعبين وإن كانوا أقل مستوى من الفريق الآخر أداءاً جيداً على أرض الملعب. كانت الشكوك قبل المباراة طبيعية. التباين الفني كبير. لكن لم يكن الهدف تعويض الأرقام، خاصة بعد معسكرات التدريب الشاقة للغاية التي أجريت في الإعداد. اتفق اللاعبون على أنها ستكون معركة بين 11 لاعباً من كل جانب، وأنهم سينفقون كل طاقاتهم في المعركة. مع تقدم اللعبة، أصبح الفريق أكثر ثقة، على عكس الهولنديين، الذين بدوا متوترين بعد فشلهم في خلق العديد من الفرص أو التسجيل. كان ذلك حتى سجلوا هدفهم الأول بعد خطأ بسيط. لم يشعر اللاعبون بخيبة أمل من هدفهم. أصروا على الهجوم وخلق العديد من الفرص قبل أن تحصل مصر على ضربة جزاء. في تلك اللحظة قال عبد الغني، اقترب بعض زملائي من الجهاز الفني للفريق ليشجعوني. تمنوا له حظاً سعيداً. «لقد عيّنني المدرب محمود الجوهري كخيار أول لركلة جزاء، لكن بما أنني لم أكن أتوقع أن يتم منحنا خطأً، فإن ذلك كان مفاجئاً بالنسبة لي. وضعت الكرة على الفور وقررت أن أسدد على نفس الجانب الذي سددت فيه في العديد من المناسبات السابقة. راقبت الحارس وأطلقته على يمينه. لقد سجلنا وعدلتنا، وكان هناك ابتهاج لطول بلادنا واتساعها. لقد كان هدفاً لا يقدر بثمن جعلنا نملك نقطة في مباراة كبيرة ضد أبطال أوروبا». عبد الغني بقي يتحدث عن هذا الهدف طوال حياته، لدرجة أن المصريين صاروا يتعاملون مع الأمر كما لو أنه نكتة.

كانت قرعة تصفيات كأس العالم 1990 قد وضعت مصر في مجموعة ضعيفة خلت من القوى الإفريقية التقليدية


مصر بعدها تعادلت سلبياً مع ايرلندا الشمالية وخسرت أمام إنكلترا بهدف وحيد وودعت البطولة من الدور الأول. وبعد أن قاد المدير الفني الوطني محمود الجوهري منتخب الفراعنة لنهائيات مونديال 1990، ليكون أول وآخر مدير فني مصري يقود منتخب البلاد لنهائيات العرس العالمي، تمكن الأرجنتيني هيكتور كوبر في الصعود بمنتخب مصر لمونديال 2018. تأهل المنتخب المصري لكأس العالم في روسيا 2018 بعد أن انتزع نصراً هاماً أمام الكونغو في الدقيقة 94 بهدفين لهدف، لينهي الفراعنة عقماً دام لـ 28 عاماً ليصدر ثاني إنجازات المنتخب وأغلاها بعد التأهل لأمم أفريقيا 2017 على نفس الملعب «إكلينيكيا»، بعد الفوز على أول منتخب إفريقي تأهل لروسيا 2018، نيجيريا. الحديث عن المنتخب المصري في مرتي التأهل يتمحور حول نقطتين. الأولى التركيز والإسراف في الدفاع، والثانية المرتدات. ومثلما «نطقها» الكابتن الظريف الراحل محمود بكر، كان المنتخب المصري السبب في تشييد قانون جديد في عالم المستديرة بعد كأس العالم 1990 في هولندا، الذي منع أي حارس من الإمساك بالكرة في حال إرجاعها إليه من أحد المدافعين. كانت خطة منتخب مصر حينئذٍ تحت الإدارة الفنية للكابتن محمود الجوهري هي دفاع المنطقة، والاعتماد فقط على الكرات الطولية الآتية من أحمد شوبير حارس المرمي وقتها، أما كوبر فقد اعتمد على بناء الهجمة بداية من خط الدفاع من الجانبين اعتماداً على سرعة الجناحين محمد صلاح ومحمود تريزيغيه. يتحرك المنتخب المصري بالكامل لتنفيذ هجمة، مما يجعل الأمر بالغ الصعوبة على الخصم، عندما يتحرك عشرة لاعبين دفعةً واحدة لتنفيذ هجمة مرتدة. لكن في ظل كرة القدم الحديثة هذا أمر صعب التطبيق وخطير جداً في حالة الهجمات المرتدة. الأرقام تبيّن الاعتماد المفرط خلال الفترة الأخيرة على الدفاع (راجع الكادر). وهنا تبرز مفارقة لافتة: أفراد الفريق المصري أمام منتخب الجزائر في 17تشرين الثاني/نوفمبر عام 1989 لم يسجلوا في مسيرتهم الدولية سوى 63 هدفاً، والهداف آنذاك هو جمال عبد الحميد بـ 25 هدفاً، هو صاحب ثاني أقل عدد أهداف دولية لأي أفراد جيل مصري في تصفيات كأس العالم آخر 60 سنة بعد تصفيات كأس العالم 2002. يليهم مباشرةً أفراد جيل منتخب مصر 2018 الذين لعبوا أمام الكونغو يوم 8 تشرين الأول/ أكتوبر حيث بلغ مجموع الأهداف الدولية لهم 66 هدفاً فقط، والهداف هو محمد صلاح بـ 32 هدفاً. لكن شتان بين جزائر التسعينيات ومنتخب الكونغو الذي واجهته مصر، فالمنتخب العربي القوي كان يعج بنجوم من وزن رابح ماجر وأخضر بلومي وشريف الوزاني وغيرهم، وقد حقق بعد شهور قليلة على خسارة التأهل للمونديال لقب أمم أفريقيا 1990. أما المنتخب الكونغولي فهو منافس متواضع فقد فرص التأهل باكراً، وتذيل مجموعة تعد أسهل مجموعات التصفيات الأفريقية. كما أن منتخب الجوهري لم يضم سوى محترف واحد هو لاعب الوسط مجدي عبد الغني (كان يلعب في بيرامار البرتغالي) علماً أن الاحتراف لم يعلن رسمياً في مصر سوى بعد العودة من المشاركة في إيطاليا. أما منتخب كوبر الحالي فيضم نجوماً كثيرين يلعبون في دوريات أوروبا، أبرزهم محمد صلاح من ليفربول، محمد النني من أرسنال، أحمد حجازي من وست بروميتش ألبيون، رمضان صبحي من ستوك سيتي، وجميعهم في الدوري الإنكليزي، وآخرين. عندما شاركت مصر في كأس العالم للمرة الأخيرة، لم يكن محمد صلاح ورمضان صبحي وأحمد حجازي قد ولدوا. وبعد نحو ثلاثة عقود، بات هؤلاء ركيزة جيل شاب أعاد «الفراعنة» إلى المونديال. لكن لو أراد المصريون توجيه الشكر إلى شخص واحد فبالتأكيد هو محمد صلاح، الذي سجل هدف الانتصار في وقت بدا أن كل شيء قد ينهار.