برازيليا | ما كان متوقعاً بشأن التأثير الكبير لظاهرة القاضي سيرجيو مورو داخل مجلس القضاء الأعلى، بدأ يتحقق بعد انضمام عضو المحكمة العليا، جيلمار مندس، إلى الحملة المستعرة ضد الرئيس البرازيلي السابق، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، عبر قرار مفاجئ يمنع بموجبه دا سيلفا من تقلّد وزارة الدولة لشؤون الديوان الحكومي.
قرار مندس جاء ليعقّد محاولة استئناف الحكم السابق بتعليق تسلّم دا سيلفا مقاليد هذه الوزارة، في حين بدأت المعارضة تسابق الوقت لتمرير مرسوم تشريعي يقضي برفع توصية الى مجلس الشيوخ لإقالة الرئيسة الحالية، ديلما روسيف. وبدا مشروع القرار البرلماني قابلاً للتحقق، في ظل انضمام عدد كبير من البرلمانيين إلى الكتلة المعارضة، خصوصاً نواب "الحركة الديموقراطية"، الشريكة الرئيسية في حكومة روسيف. أما الكونغرس، الذي كان يشكل صمام الأمان للعماليين، فقد بدا متأثراً بالجو السياسي المعادي للرئيسة. وعبّر عن هذا التأثّر رئيس المجلس، رينان كاليروس، الذي رأى أن ما من أحد قادر على إيقاف مسار الإقالة.
انتشلت السياسات العمالية ثلثي البرازيليين من الفقر المدقع

في خضم هذه التطورات، حصلت «الأخبار» على معلومات مؤكدة بشأن عقد اتفاق سرّي بين المعارضة، وعلى رأسها "الحزب الاجتماعي"، و"الحركة الديموقراطية"، الحليف الأبرز للعماليين، يقضي بتسهيل تسلم رئيس الحركة ونائب روسيف، ميشال تامر، رئاسة الجمهورية، ودخول المعارضة حكومة ائتلافية، في مقابل تخلي "الحركة" عن الشراكة مع "حزب العمال"، والانسحاب من الحكومة الحالية، والانضمام إلى التيار المطالِب بإقالة روسيف عبر التصويت في البرلمان ومجلس الشيوخ.
وترتكز قراءة المعارضة في الأساس على تسامح القضاء مع قضايا الفساد التي تورّط فيها عدد من زعمائها، وتركيزه على استهداف "حزب العمال"، برموزه وقيادييه، ما يتيح للمعارضة هامش حركة وعقد صفقات مع التيارات السياسية، على اعتبار أن رحيل روسيف بات أمراً حتمياً وقريب التحقق.
أما "العمال"، الذي بدا محاصراً قضائياً وسياسياً، فما زال متمسّكاً بما سمّاه الشرعية الشعبية، على الرغم من الاستفتاء الذي نشرته مؤسسة «داتا فوليا» الشهيرة، والذي تحدّث عن تأييد 68% من البرازيليين لإقالة روسيف. واعتبر العماليون الإحصاء جزءاً من الحملة الإعلامية التي تسعى إلى التشكيك في حجم الحضانة الشعبية للحزب، التي برزت في المظاهرات الأخيرة، لترفض «الانقلاب» وتؤكد تمسكها بالحكومة الحالية.
إصرار "حزب العمال" على خوض المواجهة تمثّل في تشكيل هيئة طوارئ، تضم سياسيين وقانونيين، لدراسة سبل إلغاء المفاعيل القضائية لمنع دا سيلفا من تسلّم حقيبته الوزارية، وللادّعاء على القضاة الذين تجاوزوا النصوص الدستورية، من خلال التنصّت على خطوط القصر الجمهوري. كذلك برزت حركة سياسية لافتة لإقناع عدد من النواب بالتراجع عن تأييد عملية الإقالة.
ويترافق احتدام المواجهة السياسية مع مناوشات في الشارع، باتت تنبئ بضيق الخيارات السياسية. فالعماليون باتوا مقتنعين بأن المشروع الحالي يرمي إلى استئصالهم من دائرة القرار، وأنهم بالتالي لا يملكون خياراً غير الاستماتة في الدفاع عن وجودهم، وفق الصحافي إدواردو غامارايس، الذي أكد لـ«الأخبار» أن لولا دا سيلفا وديلما روسيف يدفعان ثمن دفاعهما عن مصالح الفقراء، مستنداً إلى اعتراف المنظمات الدولية بأن السياسات العمالية انتشلت ثلثي البرازيليين من الفقر المدقع. وبالتالي، فإن إنجازات الحزب الحاكم هي السلاح الأقوى "في مواجهة الانقلابيين"، وفقاً له. ويرى غامارايس أن دا سيلفا مُنع من مؤازرة روسيف في حكومة يُنتظر أن تقوم بإصلاحات اقتصادية فاعلة في البلاد، لهذه الأسباب تحديداً.
أما افتتاحية صحيفة «فوليا دي ساوباولو» فعبّرت عن «استحالة التعايش» مع العماليين، مفضّلة أن تعيش البرازيل في أزمة قاسية، على أن يستمر حكم روسيف. لعل ذلك يوضح عمق الأزمة التي ستشهدها البرازيل في الأيام المقبلة، وسط إصرار المعارضة على إقصاء روسيف، وإعلان العماليبن بدء مشوار النضال؛ مشهد لم يكن ينقصه إلا تحريض الخارج. فبرز موقف الرئيس الأميركي، باراك أوباما، الذي تهكّم على الوضع في البرازيل، قائلاً إن الفاسدين يحاكمون القضاة في هذه البلاد. ولعل موقف أوباما يوضح الدوافع الحقيقية لقرار إسقاط روسيف وسجن دا سيلفا.