غير أن الأسد كان واضحاً، آنذاك، عندما شدّد على ضرورة قيام تركيا بخطوة محدّدة لتحقيق المصالحة، أي أن تتعهّد خطّياً بالانسحاب اللاحق من الأراضي السورية، وفقاً لبرنامج زمني متّفق عليه، وهو ما ظلّت ترفضه أنقرة. وعادت دمشق لتتنازل عن الموقف المتقدّم، إذ اكتفت بطلب الحصول على تعهّد شفهي بضمانة روسية، وهو ما لم تتجاوب معه تركيا، والتزمت إزاءه الصمت، إلى أن خرج وزير دفاعها، ياشار غولر، أخيراً، ليكرّر شروط بلاده قبل «التفكير» في الانسحاب من سوريا، وهي: «تطبيق القرار 2254، وحوار بين النظام والمعارضة، وإجراء انتخابات وتشكيل حكومة شرعية، وإعداد دستور جديد».
هل يمكن لتركيا أن تمضي في مصالحة مع سوريا رغماً عن أنف أميركا؟
إلا أنه، قبل أيام، عاد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، ليعلن أن «تركيا مستعدّة لسحب جنودها من سوريا، لكن لم يتمّ التوصّل إلى اتفاق حول المعايير التفصيلية». وأوضح «(أنّنا) نتحدّث عن تدابير ضرورية من أجل عودة اللاجئين وضرب الإرهاب، وهذا يجعل وجود القوات التركية غير ضروري. كل هذا تتم مناقشته». وسلّط لافروف، في تصريحاته، الضوء على بعض ما كان جرى في المحادثات السابقة بين الأتراك والسوريين في موسكو، قائلاً: «لقد بذلنا جهداً كبيراً من أجل أن يجتمع وزراء دفاع وخارجية تركيا وسوريا. وشارك ممثّلو تركيا وسوريا وروسيا وإيران من أجل تحديد شروط كل طرف. والآن، أعتقد أنه حان الوقت لأن يجتمعوا من جديد. وأنا واثق من أن الاجتماع سيتحقّق في موعد قريب».
وفي الإطار نفسه، يقول فاتح تشيكيرغه، الكاتب المتابع للعلاقات التركية - السورية، في صحيفة «حرييات»، إن «تسيير تركيا وروسيا دوريات مشتركة قبل مدة في منطقة نبع السلام، شرق الفرات السوري، بعدما كانت توقفت في الخامس من تشرين الأول من عام 2023، يُعدّ أول إشارة إلى حصول تطوّر جديد في المسألة السورية». ووفقاً لتشيكيرغه، فإن «تجديد تسيير الدوريات هو رسالة إلى دمشق بأن الجيش التركي موجود هناك ليس بهدف الاحتلال، بل لمحاربة الإرهاب». ويعتبر «(أننا) يجب أن ننظر إلى الدوريات المشتركة باعتبارها خطوة مهمّة ورسالة حسن نيّة من زاوية تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق». إلا أنه، رغم ما تقدّم، يظلّ السؤال مطروحاً، بشكل أساسي، حول تأثير اعتراض واشنطن العلني على تقارب دمشق مع أنقرة، على عزم هذه الأخيرة، وخصوصاً أن هكذا تقارب يقتضي تصعيد النزاع مع قوات «قسد» التي تدعمها الولايات المتحدة، بينما تعتبر تركيا تصفيتها شرطاً «حتمياً» للمضيّ في المصالحة.