لم تفضِ المحادثات «المطولة» التي عقدها مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، جيك سوليفان، مع وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، لإحدى عشرة ساعة، الثلاثاء والأربعاء، والمناقشات «النادرة» التي دارت بينه وبين تشانغ يو شيا، نائب رئيس اللجنة العسكرية المركزية، الذي يعتبره البعض المستشار العسكري الأكثر نفوذاً في بكين، فضلاً عن اللقاء مع الرئيس الصيني، شي جين بينغ، والذي اختُتمت به الزيارة الخميس، عن أي خروقات تُذكر، ولو في ملف واحد على الأقل من الملفات العالقة بين البلدين، وعلى رأسها قضية القيود التكنولوجية الأميركية، وهو ما عكسته، بوضوح، التصريحات الصادرة عن الطرفين في أعقاب الاجتماع. وأفاد مسؤولون أميركيون بأنّه لا تزال هناك «فجوات كبيرة» في بعض القضايا، مشيرين إلى أنّ الخلافات مع الصين حول الجزر المتنازع عليها مع الفلبين، في بحر الصين الجنوبي، من المرجح «أن يتم التعامل معها في المستقبل المنظور فحسب، لا حلها».وقال سوليفان، بدوره، إنّ الجانبين لم يتوصلا إلى «أي اتفاقيات جديدة بشأن بحر الصين الجنوبي»، فيما كان هناك «تبادل نشط» للآراء حول قضايا الأمن الاقتصادي والتجارة. على أنّه حتى في ما يتعلق بالأخيرة، كان سوليفان، مهندس قيود التكنولوجيا الأميركية، «يتباهى» من على متن طائرته المتوجهة إلى بكين، بأنّ سياسة القيود أثبتت «نجاحها»، رغم وجود بعض «الثغرات» فيها. كما أنّ مستشار الأمن القومي الأميركي لم يستبعد، بحسب وكالة «بلومبرغ»، أن تطرح شركة «هواوي» هاتفاً جديداً أو شريحة ذكاء اصطناعي أثناء زيارته، في محاولة لـ«إحراجه»، في تكرار لما فعلته الشركة خلال زيارة وزيرة التجارة الأميركية، جينا رايموندو، للعاصمة الصينية العام الماضي. وحتى لدى انتهاء لقاءاته، والتي تمّ خلالها بحث القيود التكنولوجية المشار إليها مطولاً، أعلن سوليفان أنّه لم يتم التوصل مع نظرائه إلى تفاهمات، مكتفياً بوصف الحوار بأنّه «مفيد جداً».
على الجانب الصيني، بدا عدم الرضى عن تمسك واشنطن بـ«احتواء» الصين واضحاً


وعلى الجانب الصيني، يبدو عدم الرضى عن تمسك واشنطن بـ«احتواء» الصين وتقييد نموها واضحاً جداً. ورغم تشديد كل من شي وسوليفان، في تصريحات عقب الاجتماع، على ضرورة إقامة علاقات «مستقرة وصحية ومستدامة»، تضمن «تعايش» البلدين بسلام، أفادت صحيفة «غلوبال تايمز» الصينية، بأنّ الخبراء الصينيين «حذرون» إزاء إمكانية أن يكون التواصل بين الطرفين قادراً على أن يخفف فعلياً من حدة التوترات القائمة بينهما. وتنقل الصحيفة عن لي هايدونغ، الأستاذ في «جامعة الشؤون الخارجية الصينية»، قوله إنّ «التوترات بين الصين والولايات المتحدة بشأن تايوان أو بحر الصين الجنوبي أو الحرب التجارية أو قيود التكنولوجيا العلمية، لن تشهد، على الأرجح، الكثير من التحسن، طالما تستمر الولايات المتحدة في اتباع إستراتيجية احتواء الصين»، وإنّ «أقصى ما يمكننا فعله هو التأكد من عدم تصاعد التوترات الحالية وخروجها عن نطاق السيطرة».
وطبقاً لتقرير أوردته وكالة «بلومبرغ»، فقد أصبحت الجهود التي تبذلها إدارة جو بايدن للحد من وصول الصين إلى التكنولوجيا اللازمة لصنع أشباه الموصلات، واحداً من «أكبر مكامن التوتر في العلاقة»، فيما من المرجح أن تتزايد القيود الأميركية مستقبلاً، بغض النظر عمن سيتولى السلطة في تشرين الثاني المقبل. وفي اجتماعه مع وانغ يي، قال سوليفان إن الولايات المتحدة ستواصل اتخاذ الإجراءات اللازمة «لمنع استخدام التقنيات الأميركية المتقدمة لتقويض أمن واشنطن القومي»، فيما دعا وانغ إلى «وضع حدود واضحة للأمن القومي»، في إشارة إلى أنّ الصين تعتبر أن الولايات المتحدة تذهب «بعيداً» في تقييد تجارتها. وتضيف الوكالة أنّ واشنطن تبذل جهدها لمنع الصين «من اللحاق بالركب»، لا سيما في ما يتعلق بالقطاع العسكري. ووفقاً لمسؤول أميركي كبير تحدث إلى «بلومبرغ»، فإنّ الصين «غير قادرة» حالياً على الحصول على ما يكفي من الرقائق المتطورة لتحقيق أهدافها المتعلقة بالأمن القومي، وقيادة «نماذج الذكاء الاصطناعي الأكثر تقدماً».
ورغم عدم إحداث اللقاءات الأخيرة أي تقدم يُذكر، إلا أنّه يبدو أن هنالك إصراراً على استكمالها في المدة المقبلة، بشكل يهدف، غالباً، إلى ترك نافذة للتواصل بين الطرفين، ومنع تفاقم التوترات. وفي السياق، قال البيت الأبيض، بعد اجتماع شي وسوليفان، إنه يتم الترتيب لمكالمة بين شي وبايدن قريباً، وبين الجهات العسكرية في البلدين، كما ستلتقي فرق متخصصة بمسائل «التجارة» والمناخ، من الطرفين، بداية الشهر المقبل، في الصين.