وفي هذا الجانب، يقول محمد علي غولر، في صحيفة «جمهورييات»، إن «النتيجة الأكثر أهمية لزيارة بوتين هي اتفاقية الممر بين الشمال والجنوب (يمرّ عبر الهند وإيران وآذربيجان وبحر قزوين وروسيا)، والتي تستهدف مواجهة مساعي الولايات المتحدة لمحاصرة سياسة الطاقة الروسية، ونقل الغاز الروسي إلى آذربيجان. وهذا يعني طريقاً جديداً لموسكو لتصدير الغاز بشكل غير مباشر إلى أوروبا. وبطبيعة الحال، فإن حجم خطَّي TAP وTANAP الحاليَّين غير كاف، ولكن الصيغة التالية مدرجة على جدول الأعمال: آذربيجان، التي تنتج ما يقرب من 50 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي وتستخدم نصفه محليّاً، ستستخدم الغاز الذي ستشتريه من روسيا محليّاً، وتبيع ما تنتجه لأوروبا: هذا مربح للجانبَين!». ويتابع غولر: «كجزء من الاتفاقية، ستقوم الدولتان أيضاً بإنتاج السفن بشكل مشترك. وسيعمل البلدان، اللذان سيبنيان ناقلات النفط الحديثة وسفن الغاز الطبيعي المسال، على زيادة التجارة في كل من البحر الأسود وعلى طريق قزوين - آزوف عبر قناة الفولغا - دون».
ثمّة ما يشير إلى أن باكو وافقت على التخلّي عن إقامة «ممر زنغيزور»
وفي هذا السياق، ظهر، منذ بعض الوقت، ومن أجل تسهيل وصول آذربيجان وأرمينيا إلى اتفاق سلام، ما يشير إلى أن باكو وافقت على التخلّي عن إقامة «ممر زنغيزور» من نخجوان الآذربيجانية على الحدود التركية، مروراً بأراضي أرمينيا، وصولاً إلى آذربيجان، علماً أن يريفان لا تحبّذ المضيّ في هذا المشروع كونه يمسّ سيادتها. وربّما تكون باكو قد تخلّت عن الفكرة بعدما تعرّضت علاقاتها مع أنقرة لانتكاسة، على خلفية تصريحات الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، عن أنه سيدخل إسرائيل كما دخل قره باغ وليبيا. ويعني هذا أن «الممر التركي» (زنغيزور) الذي تتطلّع إليه أنقرة قد لا يُبصر النور، وخصوصاً أن إيران تعارضه أيضاً بشدة، لأنه يقطع طريقها البرّي مع أرمينيا. كذلك، فإن باكو، وكردّ على تصريحات إردوغان، تريد أن تتعاطى مع يريفان بشكل ثنائي فقط خارج تدخّل أيّ طرف ثالث، والمقصود هنا تركيا.
وممّا يذكره غولر، أن موسكو وباكو وافقتا على إلغاء فكرة «ممر زنغيزور» حتى لا يكون ذريعة لمزيد من التدخلات الأجنبية في القوقاز. ولا شكّ في أن الاتفاق على «ممر شمال - جنوب»، سيعرّض خطط الولايات المتحدة لعرقلة طريق الحزام الصيني عبر الممر التركي - الآذربيجاني، للفشل. ويُعدّ الاتفاق مهمّاً أيضاً لإيران التي سترغم تركيا، في حال مضيّها في طريق بري وسكة حديد إلى آسيا الوسطى، على المرور في الأراضي الإيرانية. ويكتسب الممرّ الروسي - الآذربيجاني أهمية إضافية في ظل الغموض الذي بات يحيط بـ»الممر الهندي» عبر الخليج وإسرائيل، بفعل الاضطرابات التي تشهدها المنطقة منذ عملية «طوفان الأقصى»، علماً أنّ أيّ تراجع في خطط «الممر الهندي» سيصبّ في مصلحة «طريق التنمية».
من هنا، فإن الظروف السياسية والأمنية تمنح «طريق التنمية» امتيازاً جديداً، شرط توفير الأمن له داخل العراق وسوريا وتركيا، وهو أمر لا يمكن الجزم بتوفره، في ظل استمرار المشكلة الكردية والوجود العسكري الأميركي في العراق والقطيعة بين تركيا وسوريا. ومع ذلك، فإنه بعد «طيّ صفحة» «الممر التركي» (زنغيزور)، ستحاول أنقرة التمسّك بفرصة «طريق التنمية»، الممرّ الأخير المتاح نظرياً لها حتى الآن.