تحرّكت التطورات السياسية في اتّجاه عاد فيه التوازن والتعددية والتنافس إلى المشهد السياسي الإيراني
ومع تشكيله حكومةً تعددية، يكون بزشكيان قد جعل التيار السياسي المنافس له، شريكاً في الحكم، ليتمكّن من خلال إرساء الوفاق وخفض التصعيد السياسي، من التحرّك في اتجاه تذليل العقبات وإزالة التحديات التي تواجهها إيران. ويشكّل رفع العقوبات عن طريق إحياء المحادثات مع الغرب وتحسين الوضع الاقتصادي وخفض التوترات السياسية والاجتماعية، أهم المهام التي تثقل كاهل إدارة بزشكيان. وفي هذا الإطار، اضطلع رئيس البرلمان بدور مهمّ في جعل النواب متجاوبين مع الحكومة المقترحة، وكذلك بناء الأرضية التي تم على أساسها منح الثقة لأعضائها. ويبدو أن قاليباف اقترب بعد الانتخابات من بزشكيان، وعمل على احتواء الجناح المتشدّد في التيار الأصولي، والذي دعم جليلي في الانتخابات الأخيرة. وبعد منح البرلمان الثقة للوزراء، كتب قاليباف، في منشور عبر منصة «إكس»: «لقد اتّخذ النواب المحترمون الخطوة الثانية للوئام في إطار التعاون مع الحكومة المحترمة، ومنحوا الثقة لجميع أعضاء الحكومة المقترحة للدكتور بزشكيان. إن البرلمان سيكون إلى جانب الحكومة على طريق معالجة مشاكل البلاد، وتطبيق بنود الخطة التنموية الخمسية السابعة. إن نجاح الحكومة هو نجاحنا جميعاً». ومن جهته، نشر بزشكيان، أيضاً عبر «إكس»، صورة تجمعه إلى رئيسَي البرلمان قاليباف، والسلطة القضائية محسني إجئي، وكتب: «الوئام من أجل إيران». وفي تصریح آخر، أعرب الرئيس الإيراني عن تقديره للبرلمان لتصويته الحاسم بمنح الحكومة الثقة، قائلاً: «بهذا الإجراء، صافح البرلمان الحكومة بحرارة من أجل خلق الوفاق الوطني في البلاد، ونأمل أن يؤدي هذا التعاون والتآزر بين مجلس الشورى والحكومة إلى فكّ العقد من حياة المواطنين وحلّ مشاكل البلاد».
على أن جميع المؤشرات تدل على أن المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، كان داعماً لتشكيل بزشكيان حكومة تعددية، وتجاوُب البرلمان معها. وقال بزشكيان، في كلمة ألقاها أمام البرلمان قبل التصويت على منح الثقة، أول من أمس، إنه قدّم قائمة الوزراء بالتنسيق التام مع خامنئي. وأضاف: «كنت أفكّر بمثاليات، لكنّي تراجعت، تراجعت من أجل الوحدة، ولم أنتخب أحداً من دون التنسيق مع الأعلى والأدنى». وقبل تقديم تشكيله الوزاري، أعلن الرئيس صراحةً أنه سينسّق مع المرشد الأعلى حول أسماء أعضاء حكومته، علماً أن ثمة ما يُتداول حول أنه يتم اختيار وزراء الخارجية والأمن والداخلية والثقافة، بالتنسيق مع المرشد. بيد أن مسعود بزشكيان أكّد أنه بعد التوصل إلى قائمة الوزراء التي يضعها مستشاروه، سيذهب في المرحلة الأخيرة إلى خامنئي للتوصل، بعد التشاور معه، إلى «الحصيلة النهائية». وكان خامنئي قال قبل نحو شهر، خلال لقائه أعضاء البرلمان، إن «الإجراء الفوري للبرلمان هو التصويت للحكومة التي يقدّمها السيد بزشكيان حفظه الله، وكلّما تمّ التصويت على الحكومة المقترحة في أسرع وقت، وتتولّى الحكومة مهام عملها، كان ذلك أفضل».
وثمة إشارات واضحة إلى أن المشهد السياسي في إيران، شهد، على مدى الأشهر الأخيرة، تغييراً واستدارة كبيرَين. ففي الوقت الذي كان يُقال فيه، خلال السنوات الخمس الأخيرة، إن نظام الحكم اتجه نحو «اعتماد اللون الواحد» والحضور الثقيل للتيار الأصولي، فإنه ومع إجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة الأخيرة، بدا أن ثمة عودة للتوازن والتعددية والتنافس، وهو ما عكسته الحكومة الجديدة بضمّها جميع الأجنحة السياسية التي صارت تمتلك صوتاً وممثلاً لها فيها. ويرى مراقبون أن تشكيل حكومة «وفاق وطني» من شأنه أن يسهم في خفض الاحتقان السياسي، ولا سيما بعد اشتداد حدّته خلال احتجاجات 2022، وأن يمثّل منعطفاً في الحدّ من التذمّر المجتمعي، والذي تبدّى جانب منه إبّان الاحتجاجات، وأيضاً في تراجع نسب المشاركة في انتخابات الأعوام الخمسة الأخيرة.