طهران | ينهمك البرلمان الإيراني، في هذه الأيام، بدراسة أهلية الوزراء الذين اقترحهم الرئيس الجديد مسعود بزشكيان، فيما يُتوقّع أن ينتهي التصويت على منْح الثقة للوزراء الـ 19 المقترحين، اليوم الأربعاء. ومن أبرز هؤلاء، عباس عراقجي المرشح لتولّي حقيبة الخارجية، والمُتوقّع أن ينال نسبة عالية من الأصوات المؤيّدة لتوزيره. ويشغل عراقجي، راهناً، منصب مساعد كمال خرازي، رئيس «المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية»، أحد مراكز البحوث والدراسات التي تعمل تحت إشراف المرشد الأعلى الإيراني، علي الخامنئي، فيما شغل خلال ولايتَي حسن روحاني الرئاسيّتَين، ولمدة ثماني سنوات، منصب مساعد وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، واضطلع بدور مهمّ في المحادثات النووية الإيرانية التي أفضت إلى التوقيع على «خطة العمل الشاملة المشتركة»، في عام 2015. وكان قبلها سفيراً لإيران، لدى كلّ من اليابان وفنلندا.وعلى رغم أن وزارة الخارجية في إيران لا تتولّى مهمة وضع السياسات، بل تنفيذ ما ترسمه المؤسسات العليا في البلاد، بمن فيها المرشد الأعلى، والمجلس الأعلى للأمن القومي، غير أن رؤى ووجهات نظر وزير الخارجية والفريق الذي يعمل معه في الوزارة، يظل لها تأثيرها في عملية صنع القرار على يد المؤسسات المذكورة، وكذلك كيفية تنفيذ السياسات. ويُعرف عن عراقجي كونه براغماتياً ومعتدلاً؛ وعلى رغم أنه عمل مساعداً لظريف لسنوات طويلة، ويقيم علاقات وثيقة معه، إلا أن له توجهات أكثر محافظة من الوزير السابق، وهو يسعى، ممّا تظهره تصريحاته، إلى التقرّب من الخامنئي، على اعتبار أن «توجيهات وإرشادات المرشد» تشكّل أحد «المبادئ الرئيسيّة لوزارة الخارجية». وقبل التحاقه بوزارة الخارجية، انضمّ عراقجي إلى «الحرس الثوري» إبّان الحرب الإيرانية - العراقية، فيما لا يزال، كما يقول، يحتفظ بزيّ ذلك العهد، و»يفتقد إلى تلك الأيام». لكن عراقجي لا يؤمن بثنائية «الديبلوماسية» (وزارة الخارجیة) و»الميدان» (الحرس الثوري)، مع أنه يؤكد أنه سيسير، خلال توليه وزارة الخارجية، على طريق التقارب أكثر مع القوات المسلحة الإيرانية.
وقدّم عراقجي، أمام البرلمان، برامجه وخططه تحت عنوان «سياسة خارجية شاملة وفاعلة ومؤثرة»، تشتمل على أولويات وبرامج وخطط السياسة الخارجية للحكومة الإيرانية الجديدة، والتي يمكن تلخيصها بخمسة محاور:
1- دعم محادثات رفع العقوبات: يبدو أن المهمّة الرئيسيّة لعراقجي في وزارة الخارجية ستتمثّل في إجراء محادثات بهدف رفع العقوبات عن إيران، أي تلك التي أعيد فرضها بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي. وعلى رغم عقد جولات عديدة من المحادثات لإحياء الاتفاق، إلا أن أي خرق لم يحدث. وقال عراقجي أمام النواب إن «الاتفاق النووي لم يعد قابلاً للإحياء»، وإن الهدف من المحادثات هو «رفع العقوبات»، في ما يشير إلى أن طهران ترى أن المحادثات المستقبلية المحتملة مع الغرب يجب أن يكون لها جدول أعمال جديد. وبينما يشدد عراقجي على ضرورة «تحييد العقوبات»، فهو يدعو إلى رفعها من طريق «المحادثات الجادة والهادفة وغير الاستنزافية، مع الحفاظ على مواقف الدولة». ويواجه عراقجي طبعاً تحديات في هذا المسار، أهمها اتّساع الفجوة في العلاقات بين إيران والغرب، خلال السنوات الأخيرة، إذ إنه إضافة إلى المسألة النووية، فإن قضايا أخرى بما فيها العلاقات الإيرانية - الروسية، وتطوير البرنامج العسكري الإيراني والقضايا الإقليمية، ساهمت في تزايد حدة الخلافات بين الجانبين.
يرى عباس عراقجي أن «محور المقاومة» يمثّل أهم مكوّن لقوّة الجمهورية الإسلامية


2- «إدارة الصراع» مع أميركا و»التعامل المتّسم بالعزّة» مع أوروبا: لا يؤيد عراقجي إحياء العلاقات بين إيران والولايات المتحدة، لكنه يتبنى في الوقت ذاته فكرة «إدارة الصراع» بين البلدين. وهو قال أمام البرلمان: «نحن غير قادرين أبداً على إزالة العداء مع أميركا، لكننا قادرون على إدارته بحيث يُلحق الحدّ الأدنى من الضرر بالشعب. والسبيل إلى ذلك هو تحييد العقوبات والالتفاف عليها وكذلك رفعها». ووفق عراقجي، فإنه إذا أصبحت الجمهورية الإسلامية وأميركا ذات يوم «صديقتين، فإن ذلك يعني أن طبيعة أميركا أو إيران قد تغيّرت». في المقابل، يدعو عراقجي إلى «التعامل المتّسم بالعزّة» مع أوروبا، «من منطلق التكافؤ والاحترام المتبادل»، وهو ما يشير إلى أن التعاون مع أوروبا لا يمثّل منطقة محظورة في السياسة الخارجية الإيرانية، على رغم أن علاقات إيران مع الدول الأوروبية اتّجهت، خلال السنوات الأخيرة، نحو مزيد من التصعيد. لكن، ومع تولّي بزشكيان الرئاسة، طفت إشارات إلى السطح تعبّر عن جهوزية الطرفين لخفض التصعيد، ومن ثم التحرّك في اتجاه التعاون.
3- «علاقات متينة» مع الصين وروسيا: أحد المحاور الأخرى لتوجهات عراقجي، هو التركيز على العلاقات مع بكين وموسكو، إذ شدّد على «استمرار العلاقات المتينة مع الصين وروسيا، وتوسيع التعاون مع الاقتصادات الناشئة بما فيها الهند وإندونيسيا وجنوب أفريقيا والبرازيل وغيرها». كما شدد على «الإفادة القصوى من إمكانات المنظمات الإقليمية (شنغهاي، بريكس، الاتحاد الأوراسي الاقتصادي وباقي المنظمات المماثلة)»، وكذلك «توسيع الميدان الديبلوماسي والإفادة من إمكانات أفريقيا وأميركا اللاتينية وشرق آسيا».
4- السعي لبناء شرعية دولية لـ»محور المقاومة»: يرى عراقجي أن «محور المقاومة» يمثّل أهم مكوّن لقوة الجمهورية الإسلامية، ويشدّد على ضرورة دعمه وتعزيزه. لكنه يقدم رؤية جديدة في هذا المجال، بما في ذلك «العمل على بناء شرعية دولية» للمحور. ويقول هنا: «يجب بناء شرعية دولية للاعبي محور المقاومة، وأن نساعد على أن يتحلّوا بطابع رسمي، ويحظوا بدعم دولي». ويلفت إلى أهمية «الديبلوماسية الاقتصادية» في محور المقاومة، إذ يقول: «خلال مسؤوليتي، سيتم إيلاء أهمية خاصة للديبلوماسية الاقتصادية لمحور المقاومة، ولاسيما أن التعاون مع كل من العراق وسوريا ولبنان والعلاقات الاقتصادية مع هذه البلدان الثلاثة يكتسيان أهمية لأمننا القومي، ويجب توسيعهما».
5- استمرار «سياسة الجوار» لإدارة رئيسي: شهدت العلاقات بين إيران والبلدان الجارة، طوال ثلاث سنوات من عهد إدارة الرئيس الراحل، إبراهيم رئيسي، تطورات لافتة، وأهمها استعادة العلاقات الديبلوماسية بين إيران والسعودية، بوساطة صينية. وأكد عراقجي أنه سيتابع هذه السياسة، وخصوصاً أن الاهتمام بدول الجوار يشكّل إحدى أولويات السياسة الخارجية لحكومة بزشكيان. وقال: «إدارة رئيسي كانت تعمل بقوّة في هذا المجال، ونحن سنواصل هذا الطريق».