نيو جيرسي | هي إذاً مباراة العودة التي لا يريد أحد مشاهدتها، مع تصاعُد احتمال تكرار نِزال عام 2020 بين الرئيسَين الحالي جو بايدن، والسابق دونالد ترامب، الذي تتعزّز حظوظه في نَيْل بطاقة ترشيح الحزب الجمهوري. وعلى قاعدة «أهون الشرَّين»، تتمحور رهانات بايدن الانتخابية، رغم أنّ استطلاعات الرأي تشير إلى فقدان كِلا المرشّحَين أيّ شعبية حقيقية في الشارع، فيما ترقب البلاد مواجهة تعدّها الشريحة الأكبر من الناخبين، السيناريو الأسوأ إطلاقاً.
الناخبون ومراحل الحزن
تتصاعد حالة الاستقطاب والانقسام السياسي في الولايات المتحدة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، في موازاة تدهور الأوضاع على الحدود مع المكسيك، وعودة ملفّ الهجرة إلى الواجهة. ورغم الاختلافات العميقة على مختلف الصعد، السياسية والاقتصادية والأيديولوجية، يتشارك معظم الناخبين شعور الخيبة من عودة الثنائي بايدن - ترامب إلى المنافسة في الانتخابات المقبلة. إذ أظهر استطلاعٌ للرأي أجرته «جامعة كوينيبياك»، أنّ أكثر من نصف الناخبين (52%) لا يرغبون في رؤية هذين المرشّحَين ينافسان في السباق الرئاسي لعام 2024. وفي تعليقه على ذلك، يلفت ديفيد غراهام، في تقرير نشرته مجلة «ذي أتلانتيك»، الأسبوع الماضي، بعنوان «هذا يحدث بالفعل»، إلى أن الخشية من عودة الثنائي المذكور هي «الشيء الوحيد الذي يوحّد الأميركيّين اليوم». ويضيف: «لسنوات، قال الأميركيون لمنظّمي استطلاعات الرأي والمراسلين والأصدقاء والعائلة والجيران… إنهم لا يريدون رؤية هذين الرجلَين في انتخابات عام 2024. فكيف وصلنا إلى هذه المرحلة؟»، ليجيب بأن «السبب الرئيسي هو الاستقطاب السياسي السلبي والكره تجاه الطرف الآخر»، مشيراً أيضاً إلى أنّ وصول شخصيات غير شعبية من كلا الحزبَين قد يصبح «ديناميكية دائمة» في الانتخابات الأميركية. أمّا الشعور باليأس المشار إليه، فيمكن تلمُّسه يوميّاً في أحاديث المواطنين الأميركيين، خصوصاً أولئك الذين لا يزالون يتمسّكون بفكرة ظهور «المنقذ» الذي سيحول دون تكرار السيناريو المشؤوم.
من جهته، يقول المحلّل السياسي تشاك تود، في مقال بعنوان «بايدن وترامب ومراحل حزن الناخبين»، إن «المواجهة بينهما باتت حتمية»، فيما استعداد الناخب الأميركي لتقبُّل هذا الواقع «يعتمد على مرحلة الحزن التي يجد نفسه فيها حالياً». في نظره، تعيش غالبية الأميركيين في حالة من الحزن الجماعي، في حين «لا يزال بعضهم في مرحلة الإنكار، ولكن الجميع سيصل إلى مرحلة القبول عاجلاً أم آجلاً». ويتوجّه إلى مواطنيه بتساؤلات من مثل: «هل ما زلت في مرحلة الإنكار والاعتقاد بأن هذا هو خيارنا الوحيد؟ أم أن هذه المواجهة المحتملة تغضبك؟... هل تريد المساومة ولديك أمل… فتبحث، مثل بعض الوسطيّين في هذا البلد، عن خيار ثالث؟ هل تعهّدت بالابتعاد عن السياسة بسبب حالة الاكتئاب التي تسبّب فيها هذا الواقع السياسي؟».

ضيفٌ ثقيلٌ
يصف تقرير لمجلّة «ناشونال ريڤيو»، نُشر في كانون الثاني 2022، بايدن، بالرئيس «المؤقت» الذي لا يتوقّع منه أحد أن يكون «شخصية تدخل التاريخ»، إذ تقتصر مهمّته على «تضميد جراح البلاد» بعد أربع سنوات من حُكم ترامب، والجلوس على كرسي الرئاسة إلى حين وصول الرئيس الفعلي الذي سيختاره الحزب الديموقراطي في الانتخابات المقبلة. ووفقاً للتقرير، فإن خطاب بايدن في الذكرى السنوية الأولى لأحداث «الكابيتول» (6 كانون الثاني، 2021)، جاء بمنزلة «تذكير» بأنه رئيس «انتقالي» «وصل إلى منصبه لأن الناخبين المستقلّين لم تعجبهم شخصية ترامب، ولديهم تحفُّظ على طريقة تعامله مع ملفّات عدة، أبرزها فيروس كورونا والهجرة»، فيما ليس هناك أيّ سبب للاعتقاد بأن بايدن هو الرئيس المناسب سوى أنه بكل بساطة «ليس ترامب». وبالتالي، لم يكن أحد ليتوقّع أن الرئيس البالغ من العمر 81 عاماً، سيترشّح لولاية ثانية.
اليوم، تفصل الأميركيين والعالم، عشرة أشهر عن موعد الانتخابات، في الخامس من تشرين الثاني المقبل، فيما لا يزال مؤيّدو الحزب الديموقراطي في انتظار الرئيس «الفعلي» الذي لا يبدو أنه سيأتي. هذا الواقع يمثّل مشكلةً بالنسبة إلى الحزب الحاكم، الذي بحسب تقرير نشره موقع «ذا كونفرسيشن»، الأسبوع الماضي، بعنوان «لا يزال في إمكان جو بايدن التنحّي قبل الانتخابات»، يشعر عددٌ من أعضائه، سراً وعلناً، بالقلق من أن الرئيس الحالي أصبح «ضيفاً ثقيلاً»، وأنه هو نفسه الذي حال دون وصول ترامب إلى الرئاسة، قد يكون اليوم السبب المباشر لوصوله إلى الحُكم، علماً أن استطلاعات الرأي تُظهر هبوط نسبة تأييد الأول إلى ما دون الـ40%، في حين بيّن استطلاع لصحيفة «نيويورك تايمز» أن 64% من الديموقراطيين أنفسهم لا يريدون أن يترشّح بايدن لولاية ثانية. فلماذا ترشح إذاً؟ وقف بايدن، الشهر الماضي، أمام مجموعة من المانحين، وقال لهم إن «ترشُّح ترامب كان دافعاً حقيقياً وراء قراره الترشّح مجدّداً»، محذّراً من أن «الديموقراطية في خطر»، وأن «المرشّح الجمهوري يشكّل تهديداً حقيقياً للمؤسّسات الديموقراطية» في البلاد.

«لا تقارنوني بالله؛ قارنوني بالبديل»
في تغريدة له على موقع «إكس»، كتب بايدن، في تشرين الثاني 2022: «كان والدي يقول: جو، لا تقارنّي بالله؛ قارنّي بالبديل». وفيما يأمل بايدن أن يوصله ترامب إلى الرئاسة مجدّداً، باعتبار الأول «أهون الشرَّين»، إلّا أن كثيراً من المحلّلين يقولون إن الرئيس الديموقراطي «اعتُبر، في الماضي، خياراً جيّداً، فقط لأن ترامب هو البديل». فهل تمهّد مهاجمة بايدن سلفه الطريق أمامه لولاية ثانية؟ يختلف الجوّ العام، اليوم، عمّا كان سائداً في الانتخابات السابقة، إذ إن هناك قضايا أخرى تفوق بأهميّتها شخص ترامب، وسط تزايد الغضب الشعبي على خلفية مسائل مِن مِثل الاقتصاد، والحدود، والقروض الطالبية، والطبابة، والبنى التحتية، وغيرها. ودفعت سياسات بايدن، الداخلية منها والخارجية، ولا سيما موقفه من العدوان على غزة، عدداً من الناخبين إلى البحث عن بديل، أو خيار ثالث، بعيداً من الحزبَين التقليديَّين. ومن هنا، فإن التركيز على ترامب لم يَعُد كافياً، وهو ما بدأت تعبّر عنه أصوات من داخل الحزب الديموقراطي، ومن ضمنها النائبة، ألكساندريا أوكاسيو كورتيز، التي دعت بايدن إلى «بذل المزيد من الجهد» لتعزيز رؤيته لمستقبل البلاد وتسليط الضوء على إنجازاته في مدة الحكم، بدلاً من «مهاجمة» الرئيس السابق.