موسكو | حسمت روسيا، واحدة من أطول معاركها العسكرية في أوكرانيا، بإعلانها السيطرة على مدينة باخموت الاستراتيجية الواقعة في إقليم دونيتسك، بعد 224 يوماً من انطلاق المعارك فيها. وهنأ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مجموعة «فاغنر» العسكرية الخاصّة، والقوات الروسية، موجّهاً برفع أسماء «أبطال العملية» لتقليدهم أوسمة الشرف التي استحقّوها. وجاء ذلك في أعقاب تأكيد وزارة الدفاع الروسية استكمال السيطرة على المدينة نتيجة العمليات الهجومية لقوات «فاغنر»، المدعومة من المدفعية وطيران الجيش الروسي. وكان مؤسس المجموعة، يفغيني بريغوجين، أعلن، السبت، «تحرير المدينة بالكامل»، وأن قواته ستسحب وحداتها من باخموت في الـ25 من أيار الجاري، للاستراحة، على أن تسلّمها للجيش الروسي بعد تدعيم خطوط الدفاع فيها. وإذ نفت أوكرانيا صحة كلام بريغوجين، إلّا أن رئيسها، فولوديمير زيلينسكي، وفي ما يشبه التسليم بسقوط المدينة، صرّح على هامش قمة «مجموعة السبع»، قائلاً: «اليوم، باخموت باقية في قلوبنا فقط».تشكّل خسارة باخموت بالنسبة إلى كييف ضربة قاصمة، بعدما حوّلتها القوات الأوكرانية إلى خطّ دفاع ثانٍ في مواجهة التقدُّم الروسي على جبهة دونيتسك، ودَفعت لأجل الحفاظ عليها تحت سيطرتها بأعداد كبيرة من قواتها. وكانت المدينة أيضاً منصّة لقصف أهداف مدنية وعسكرية في دونباس، ومحور إمداد لوجستي لعناصر القوات الأوكرانية على طول خط المواجهة. وتتمثّل أهميّتها في كونها تمتلك بنية تحتية مكّنتها من أن تتحوّل إلى نقطة تواصل بين مدن الشمال والشرق والجنوب والغرب في إقليم دونيتسك، فضلاً عن أنها ترتبط بخطوط الإمداد شمالاً وجنوباً مع مدينتَي كونستانتينوفكا ودروجوفكا، وانتهاءً بمدينتَي سلافيانسك وكراماتورسك في دونباس.
وباعتبارها محوراً حيويّاً، اعتمدت القوات الروسية استراتيجية لعزل باخموت عن بقية المدن وضرْب خطوط إمداد المسلّحين الأوكرانيين والمرتزقة الأجانب المتحصّنين في داخلها. وتضاعفت الأهمية الاستراتيجية للمدينة بالنسبة إلى الجيش الروسي بعد انسحابه من مدينة إيزيوم على جبهة خاركيف، ليس فقط لجهة مواصلة التقدُّم، وإنّما لأنها توفّر مواقع جديدة أكثر حيوية لتأمين خطوط الإمداد وخلْق بيئة أكثر حصانة لنصب المدفعية ودك الخطوط الخلفية للقوات الأوكرانية، وربْط خطّ لوجيستي مباشر مع إقليم لوغانسك. وتأتي السيطرة على باخموت في ظلّ تصعيد روسي عسكري تمثّل في تكثيف توجيه الضربات الصاروخية والجوية على كييف ومدن أوكرانية أخرى، مستهدفةً مخازن السلاح الغربية وخطوط الإمداد العسكرية، فيما اعتُبر ضرباً لقدرات كييف التي تتحضّر لشنّ هجوم الربيع المضادّ. وفي هذا الإطار، رأى الخبراء الروس أن تصعيد موسكو العسكري واستهدافها الصاروخي المكثّف لأوكرانيا هدفه ضرب الخطط الأوكرانية لشنّ هجوم مضادّ عبر إعطاب إمكانياتها العسكرية واللوجستية، وأن خسارة كييف لمدينة باخموت ستشكّل ضربةً معنوية وعسكرية كبيرة للقوات الأوكرانية المتواجدة على جبهة دونباس، خصوصاً بعدما خسرت أوكرانيا أعداداً كبيرة من قواتها قدّرتها بعض المصادر بـ30 ألفاً إلى 50 ألف جندي، نتيجة إصرارها على البقاء في المدينة، على رغم كل النصائح الغربية بالانسحاب.
حذّر الخبراء الروس من أن سقوط باخموت سيجبر القوات الأوكرانية على إطلاق هجومها المضادّ


ووفق الخبراء، فإن إعلان روسيا السيطرة على باخموت في نفس يوم انعقاد قمّة «مجموعة السبع» بحضور الرئيس الأوكراني، ضرب الصورة التي حاول زيلينسكي تصديرها من أن جيشه قوي ويتفوّق على نظيره الروسي. وبرأيهم، فإن ذلك سيؤثّر على تقديم دعم عسكري غربي جديد لكييف. ومن جهته، أشار نائب رئيس «لجنة الدفاع» في مجلس الدوما، يوري شفيتكين، إلى أن «تحرير أرتيموفسك (باخموت) يُعدّ إخفاقاً لأوكرانيا وحلف شمال الأطلسي الذي قدّم الدعم العسكري بالإضافة إلى زجه بأعداد كبيرة من المرتزقة للقتال إلى جانب القوات الأوكرانية». وفي هذا الإطار أيضاً، قال الخبير العسكري، فاسيلي دانديكين، إن «تحرير المدينة سيفتح الطريق أمام القوات الروسية إلى اتجاهات مختلفة على جبهة دونيتسك، في إطار سعيها إلى تحرير كامل إقليم دونباس». وأضاف، في تصريح إلى صحيفة «إزفيستيا»، أن «أرتيومفسك تتمتّع بأهمية تكتيكية إلى جانب أهميتها المعنوية، إذ إنه وبعد تحريرها سينفتح الطريق في اتّجاه مدن سلافيانسك وكراماتورسك وسيصبح في الإمكان التقدُّم نحو تشاسوف يار، وقسطنطينوفكا»، موضحاً أنه بعد هذا التقدُّم سينتهي خطّ الدفاع الأوكراني في المنطقة، حيث حشدت كييف أعداداً ضخمة من القوات، يصعب إيجاد مثيل لها في العالم.
بدوره، قال الخبير العسكري، مدير المتحف الروسي لقوات الدفاع الجوي، يوري كنوتوف، إنه «بعد تحرير أرتيومفسك، فإن خطّ الدفاع الأوكراني في جمهورية دونيتسك الشعبية أصبح مهدّداً بالسقوط بالكامل»، مضيفاً أن «تحرير ما تبقّى من أراض في الدونباس أصبح ممكناً». لكن، وعلى رغم ذلك، حذّر الخبراء الروس من أن سقوط أرتيموفسك سيجبر القوات الأوكرانية على إطلاق هجومها المضادّ، ذلك أن كييف ستكون بحاجة إلى تحقيق أيّ نصر، مشدّدين على أن مهمّة القوات الروسية هي «ضمان تعطيل خطط كييف وعدم إعطائها سبباً للنجاح». ومن جهتهم، حذّر العديد من الخبراء العسكريين المطّلعين من أن استسلام باخموت سيطلق الهجوم المعلن منذ فترة طويلة للقوات المسلحة الأوكرانية. وقال قائد كتيبة «فوستوك» التابعة لـ«قوات دونيتسك الشعبية»، ألكسندر خوداكوفسكي، إن المعلومات الاستخبارية أفادت بأن الجيش الأوكراني كان يتحضّر لشنّ هجوم في اتجاه زابوريجيا، مضيفاً أنه بعد خسارته باخموت «سينتقل لا محالة إلى هذا الهجوم».