اختُتم، أمس، المؤتمر الدولي حول العملية السياسية في فنزويلا، والذي نظّمه الرئيس الكولومبي، غوستافو بيترو، في بوغوتا. وحضر المؤتمر مندوبون عن عشرين دولة، هي دول أميركا اللاتينية، والولايات المتحدة وكندا وألمانيا وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا والنرويج والبرتغال وبريطانيا، إضافةً إلى تركيا وجنوب أفريقيا. كما حضره الممثّل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، جوزيب بوريل، كضيف. وهدفَ الاجتماع إلى تشجيع الحكومة والمعارضة الفنزويليتَين على العودة إلى طاولة الحوار في المكسيك، والتي انعقدت آخر مرّة في تشرين الثاني الماضي، فيما ينفد الوقت من دون إحراز تقدّم جدّي على طريق إجراء انتخابات رئاسية في فنزويلا بضمانات ديموقراطية في عام 2024.وعلى الرغم من رفع سقف التوقّعات عند الإعلان عن القمّة، غير أن ثلاث ساعات لم تكن كافية لابتداع وصفة حلول لمشكلات فنزويلا المتراكمة، وعلى رأسها الأزمة الاقتصادية - الاجتماعية، والتي تتجلّى بعض جوانبها في التضخّم المفرط وانقطاع التيّار الكهربائي ونقص الغذاء والدواء، وصولاً إلى مغادرة أكثر من حوالي 7 ملايين شخص، أو ربع السكان، البلاد. وانحصرت نتائج الاجتماع بثلاثة بنود لا تعدّ جديدة، على رأسها وفق ما نقلته صحيفة «البِايس» الإسبانية، ضرورة وضع جدول انتخابي في فنزويلا؛ فيما الثانية، استئناف عملية الحوار في المكسيك تمهيداً لرفع العقوبات عن كاراكاس، المطلب الرئيس للحكومة الاشتراكية، والذي جدّد طرحه الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، قبيل ساعات من القمّة، معتبراً أن «هذا هو المطلب الرئيسي للمؤتمر الدولي الذي يُعقد في بوغوتا». أمّا البند الثالث، فهو إنشاء صندوق للاستثمار الاجتماعي في البلاد، على النحو المُتّفق عليه.
وكان المعارض الفنزويلي، خوان غوايدو، حاول فرض نفسه على المؤتمر، عبر الحضور إلى بوغوتا من دون أن يكون مدعوّاً، وهو ما حمل الحكومة الكولومبية على التعامل معه بوصفه داخلاً البلاد بشكلٍ غير نظامي، وترحيله إلى الولايات المتحدة. وفيما اتّهم غوايدو السلطات الكولومبية بطرده، نفى الرئيس الكولومبي، غوستافو بترو، أن تكون حكومة بلاده قد طردت المعارض الفنزويلي، معتبراً أن «من الواضح أن هناك قطاعاً سياسياً يريد تعكير صفو المؤتمر الدولي حول فنزويلا». على أن المشكلة الأكبر التي واجهت المجتمعين لم تكن ظهور غوايدو المفاجئ، بل التعقّد الكبير في الأزمة الفنزويلية، خصوصاً لناحية الانقسام على كلّ شيء بين الحكومة والمعارضة، وبين أطياف المعارضة نفسها. وهي مشكلة لم تغِب عن بترو، الذي اجتمع بوفدٍ من الأخيرة قبل عقد القمّة بثلاثة أيام في بوغوتا، كنوعٍ من التمهيد للاجتماع الكبير.
الخلاصات التي قرأها وزير الخارجية الكولومبي، ألفارو ليفا، في اختتام القمّة، «بدت مخفّفة»


ووفق صحيفة «البِايس»، فإن الخلاصات التي قرأها وزير الخارجية الكولومبي، ألفارو ليفا، في اختتام القمّة، «بدت مخفّفة»، خصوصاً مع «عدم اتفاق بعض الدول المشاركة على وثيقة ختامية مشتركة»، لتكون النقاط الثلاث التي أعلِنت في نهاية الاجتماع «قراراً أحادي الجانب من كولومبيا». وأعلن ليفا أنه «ستتمّ الدعوة إلى قمّة ثانية في القريب العاجل للتحقّق من تطوّر الاتفاقات مع نفس الضيوف». ويعني ذلك أن بترو حمّل نفسه مسؤولية حلّ الأزمة الفنزويلية، على الرغم من أن المؤشّرات تدلّ على وجوب «خفض أيّ توقّعات» بشأن هذا الحلّ، بحسب «البِايس». والجدير ذكره، هنا، أنه منذ وصوله إلى السلطة في شهر آب الماضي، كرّس بترو جزءاً كبيراً من جهوده لفنزويلا، إذ عمل على إعادة العلاقات المقطوعة معها منذ حقبة سلفه المحافظ إيفان دوكي، كما التقى نظيره الفنزويلي أربع مرّات، وقاد مبادرة إقليمية لإنهاء الأزمة في البلد النفطي، وهو ما ناقشه مع الرئيس الأميركي، جو بايدن، الخميس الماضي. وأعلن بترو، عقب الاجتماع، أنه اقترح على بايدن «وضع جدول انتخابي لفنزويلا، مع ضمانات برفع تدريجي للعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على البلاد»، بهدف السماح بـ«تقرير الشعب مصيره بحرية من دون عقوبات وضغوط».
وإن كان بترو يهدف، من بين ما يهدف إليه، في جهوده هذه، إلى إعادة النازحين الفنزويليين في كولومبيا إلى بلادهم، بعدما تخطّى عددهم الـ2.5 مليون مُهاجر وفق تقرير لمجموعة «الأزمات الدولية» صدر في شهر آب الماضي، فإن للولايات المتحدة هدفاً آخر، متّصلاً أساساً بالدور الذي يلعبه النفط الفنزويلي في ظلّ الحرب الأوكرانية، والتي دفعت تداعياتها الولايات المتحدة إلى البحث عن مصادر جديدة للطاقة، ليتّم اختيار فنزويلا التي تمتلك أكبر احتياطات نفطية مؤكّدة في العالم. وخدمةً لهذا الهدف، غيّرت إدارة الرئيس الأميركي سياستها بشكلٍ كبير تجاه إدارة مادورو، إذ دعمت اتفاقاً بين المعارضة والحكومة، وسمحت لشركة «شيفرون» النفطية باستئناف عملها في فنزويلا، ثمّ نفّذت عملية تبادل أسرى مع كراكاس، وسط استمرار التودّد إلى الأخيرة من خلال نفض اليد من غوايدو.