رام الله | ألقت الأزمة التي تعيشها دولة الاحتلال بظلالها على المؤسّسة الأمنية الإسرائيلية، مثيرةً مخاوف كثيرة على ما يُنظَر إليه بوصفه «جوهر» هذا الكيان، أي الأمن، ودافعةً إلى محاولة تقدير تداعيات ما يجري على كفاءة مواجهة التحدّيات الأمنية المتكاثرة مع بدء شهر رمضان، وتحديداً في الأراضي الفلسطينية المحتلّة التي تشهد تصاعداً في أعمال المقاومة، كان آخرها عملية حوارة في 25 آذار، والتي أدّت إلى إصابة جنديَين إسرائيليَين بجروح. ومثّل قرار رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، إقالة وزير الحرب، يوآف غالانت، الضربة الأكبر للمؤسّسة الأمنية، خاصة أنها أتت بعدما وجّه الوزير المُقال تهديداً للبنان و«حزب الله» على خلفية عملية مجدو، التي تزداد التقديرات الأمنية الإسرائيلية بوقوف الحزب وراءها، وأيضاً في ظلّ ارتفاع مستوى الاشتباك في الضفة الغربية مع دخول شهر رمضان، الذي من المتوقّع أن تتدحرج الأحداث فيه، لا سيما إذا ما نفّذت أحزاب اليمين الفاشية تهديداتها خلال الأعياد اليهودية، وقادت اقتحامات واسعة للمسجد الأقصى، مع ما يرافقها من طقوس كذبح الأضاحي وغيره. وعلى خلفية ما تَقدّم، رأت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن نتنياهو «بات يشكّل خطراً واضحاً وفورياً على أمن الدولة»، معتبرةً أن «إقالة غالانت تعني أنه لم يَعُد معنا، هو تحوَّل من بنيامين نتنياهو إلى يائير نتنياهو»، بينما أعرب الصحافي والمحلّل العسكري، رون بن يشاي، عن اعتقاده بأن «إقالة غالانت مثّلت مسّاً بأمن الدولة، وعنت فقدان ثقة بقادة المؤسّسة العسكرية الذين مثّلهم وزير الدفاع أمام الحكومة». وفي ظلّ ذلك، نقلت «القناة الـ12» في التلفزيون الإسرائيلي عن مسؤول أمني كبير قوله إن «التحدّيات الأمنية الأخرى التي تواجهها إسرائيل، بما في ذلك الساحتان الفلسطينية والإيرانية، كبيرة». وفي ما يتّصل بتلك الفلسطينية تحديداً، قال المسؤول: «نحن نعايش مستوًى عالياً من العنف والاعتداءات، وهذه الأمور تتجلّى بشكل خاص في منطقة شمال الضفة، في نابلس وجنين. لقد تعرّضنا لثلاثة اعتداءات في حوارة الشهر الماضي، وإجمالاً نَدخل رمضان من زاوية غير مثالية للغاية، وآمل أن تمرّ الأيام القليلة القادمة والشهر كلّه بسلام». أمّا بالنسبة إلى المسألة الإيرانية، فقد قدّر أنه حين يَصدر الأمر، ستكون الجمهورية الإسلامية على بُعد أسبوعَين إلى ثلاثة أسابيع من تسليم أكثر من 90 في المائة من المواد الانشطارية المخصَّبة لإنتاج القنبلة الأولى. وأضاف: «للأسف، هناك سلسلة من النجاحات في إيران. لقد أسقطوا كلّ ما يتعلّق بإجراءات التفاوض مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بكلّ أنواع الأسباب، أو هم على وشك التخلّي عنها. هناك تقدّم مقلق للغاية، وهذه هي علاقتهم بالسعوديين، حتى لو كان يبدو ذلك وكأنه يتمّ بوساطة صينية». من جهته، نشر محلّل الشؤون الأمنية في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، يوسي يهوشع، تغريدة قال فيها إن المرشد الإيراني، السيد علي خامنئي، والأمين العام لـ«حزب الله»، السيد حسن نصر الله، وقائد حركة «حماس» في قطاع غزة، يحيى السنوار، والقائد العام لـ«كتائب الشهيد عز الدين القسام»، محمد الضيف، «يفركون أيديهم فرحاً، في ظلّ ما تشهده إسرائيل من أزمة سياسية». وكان وزير أمن الاحتلال الأسبق، أفيغدور ليبرمان، اعتبر أن نتنياهو «يتصرّف كالأرنب أمام نصر الله والسنوار، ويقوّض قدرة الردع لدى إسرائيل».
ولأن حكومات الاحتلال دأبت دوماً على تصدير أزماتها الداخلية إلى الخارج، فإن هذا السيناريو لا يزال متوقّعاً. إذ لا يُستبعد أن تُقْدم حكومة اليمين الفاشي على تسخين إحدى الجبهات، سواءً مع لبنان أو إيران، أو رفْع وتيرة الاعتداءات في الضفة الغربية على ضوء تصاعُد أعمال المقاومة هناك. وتفرض سلطات العدو حالة أشبه بمنع التجوال في بلدة حوارة قرب نابلس، منذ العملية الفدائية الأخيرة التي فشلت قوّات الاحتلال حتى الآن في العثور على مُنفّذيها، وهي الثالثة من نوعها في البلدة التي تحوّلت إلى ثكنة عسكرية. ونصب العدو في حوارة بوابة إلكترونية، وعزّز من إقامة النقاط العسكرية وانتشار الجنود، في وقت لا تزال فيه التقديرات الأمنية الإسرائيلية تشير إلى ارتفاع التحذيرات من تنفيذ عمليات فدائية سواءً في الداخل المحتلّ أو الضفة الغربية التي تصاعدت أعمال المقاومة فيها خلال الـ24 ساعة الأخيرة، لتصل إلى 27، بينها 8 حوادث إطلاق نار، وحادثتا إلقاء عبوتَين ناسفتَين.
وبحسب معطيات «مركز المعلومات الفلسطيني - معطى»، فقد وُثّق إلقاء 4 زجاجات حارقة، و4 عمليات تصدٍّ للمستوطِنين وتحطيم مركبتَين لهم، واندلاع مواجهات في كلّ من الرام والمسجد الأقصى في القدس، وسنجل والمغير في رام الله، وكفر قليل ودير شرف وحوارة ومادما في نابلس، وقلقيلية وبيت لحم والخليل. كذلك، سُجّل في نابلس إطلاق النار على قوّات الاحتلال عند حاجز حوارة ومفترق صرة، وإلقاء عبوات ناسفة في دير شرف، وتحطيم مركبة مستوطِن في حوارة، وإلقاء زجاجات حارقة على مركبات المستوطِنين في مادما. وفي جنين، ألقى مقاومون عبوات ناسفة، وأطلقوا النار على جنود العدو عند حاجز الجلمة، فيما شهدت طولكرم إطلاق النار على قوّات الاحتلال خلال اقتحام مخيم نور شمس، وعند بوّابة «نتساني عوز» العسكرية ومستوطَنة «أفني حيفتس» في طولكرم. وفي جنوب الضفة، فَتح مقاومون النار على جنود العدو قرب مفترق «غوش عتصيون» في الخليل. وقُتل، منذ بداية العام الجاري، 17 إسرائيلياً في عملياتٍ في الضفة والقدس والداخل، ما يعكس تطوّر عمل المقاومة في التخطيط والتنفيذ وإيقاع الخسائر، فضلاً عن تعزّز طابعه التنظيمي الذي جاءت عملية حوارة الأخيرة لتُثبّته، بعدما تبنّتها «كتائب أبو علي مصطفى».
في هذا الوقت، يتصاعد التوتّر في مدينة القدس منذ بداية شهر رمضان، حيث تقوم قوات الاحتلال، مساء كلّ يوم، باقتحام المسجد الأقصى بكلّ مَرافقه، وتعتدي على المعتكفين والمعتكفات، وتقوم بطردهم، تمهيداً لاقتحام المستوطِنين الحرم في ساعات الصباح. وتسعى سلطات العدو إلى منع الاعتكاف في المسجد طوال أيّام الصوم، وتفريغه من المرابطين والمعتكفين وقصْر وجودهم على العشر الأواخر، في حين يدأب الفلسطينيون على تكثيف تواجدهم في المسجد أو في محيطه وباحاته، وهو الأمر الذي يستفزّ قوات الاحتلال. كذلك، أَطلق ناشطون حملة «سنُفطر في القدس»، في دعوة إلى الإفطار في الأقصى والرباط في ساحاته وعلى أبوابه خلال شهر رمضان، للتصدّي لمخطّط التهويد الإسرائيلي.