لا تزال السلطات الجورجية، التي أكّدت أنّها لن تنضم إلى العقوبات الدولية المفروضة على روسيا، تواجه اتهامات دولية متزايدة بشأن ما يُعتقد أنه «تراجع عن الديموقراطية».
وقد جاءت هذه الاتهامات اليوم من باب مشروع قانون «شفافية التمويل الأجنبي» للحكومة الجورجية الذي أثار احتجاجات في تبليسي، من قبل المعارضة الجورجية ومجموعات من المجتمع المدني، بعد خضوعه لتصديق أولي من قبل البرلمان.

ومشروع القانون هو مثيل لتشريع روسي ينص على وضع قائمة للمنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام والجهات التي تتلقى تمويلاً من دول أجنبية، وتصنيفها في خانة «عملاء أجانب».

وفي المقابل، دعت الشرطة الجورجية المتظاهرين المحتشدين أمام مبنى البرلمان في العاصمة تبليسي احتجاجاً على مشروع قانون «شفافية التمويل الأجنبي» الذي طرحته الحكومة إلى فضّ تحرّكهم، في أعقاب محاولاتهم اقتحام مبنى البرلمان.

وأظهرت مقاطع فيديو من أمام البرلمان رشق عناصر الشرطة بالحجارة والمولوتوف، إلا أن الشرطة استطاعت منع الحشود الضخمة التي رفعت أعلام الاتحاد الأوروبي وجورجيا، من اقتحام المقر البرلماني، باستخدام خراطيم المياه والغاز المسيل للدموع.

وكانت الشرطة أفادت بأن أكثر من 60 متظاهراً اعتقلوا وأصيب 50 ضابطاً على خلفية أعمال شغب بسيطة وعصيان تعليمات عناصر تطبيق الأمن، بعد إغلاق المتظاهرين الطريق الرئيسي في تبليسي، مطالبين بإسقاط مشروع القانون الذي يقولون إن الهدف منه إرغام وسائل الإعلام والمجموعات المعارضة على الإغلاق.

وأعلنت وزارة الداخلية الجورجية أن المتظاهرين «ألقوا مقذوفات مختلفة، حجارة وأشياء حادة وسريعة الاشتعال (...) وهاجموا جسدياً عناصر شرطة وقاوموهم». وأضافت الوزارة: «في وقت لاحق شن الناس هجوماً منظماً على مبنى البرلمان وألقوا ما يسمى بزجاجات مولوتوف وأسهماً نارية».

وتعارض قوى المعارضة إقرار القانون، إذ ترى أنه سيعرقل انضمام جورجيا إلى الاتحاد الأوروبي، علماً أن بروكسل انتقدت مشروع القانون، معتبرةً أنه لا يتوافق مع المعايير الأوروبية.

وكان حزب المعارضة الرئيسي في جورجيا دعا إلى تظاهرات جديدة أمام البرلمان في العاصمة تبليسي اليوم، كما دعت إليها منظمات من المجتمع المدني. وقال نيكا ميليا من «الحركة الوطنية المتحدة»، تشكيلة المعارضة التي أسسها الرئيس السابق المسجون ميخائيل ساكاشفيلي: «اعتباراً من الساعة 3,00 بعد الظهر (11,00 ت غ) سيبدأ الجورجيون بالتجمع على جادة روستافيلي وهذا سيتواصل يومياً».

وفي المقابل، يحظى مشروع القانون بتأييد حزب «الحلم الجورجي» الذي يتمتع بالغالبية في البرلمان، وبتأييد بعض حلفائه، إلا أن الرئيسة الجورجية سالومي زورابيشفيلي أعربت عن دعمها للمتظاهرين وتعهّدت رفض التشريع.

تنديد غربي بالقانون... ودعم للمتظاهرين

وبالتوازي مع بدء التظاهرات، سارعت الولايات المتحدة إلى انتقاد مشروع القانون، وهو ما عبّرت عنه السفارة الأميركية لدى تبليسي، فضلاً عن الاتحاد الأوروبي والرئاسة الأوكرانية وعدد من المنظمات غير الحكومية.

وقالت السفارة الأميركية في جورجيا بعد القراءة الأولى لمشروع القانون «اليوم هو يوم مظلم للديموقراطية الجورجية». ورأت أن مشروع القانون «مُستلهماً من الكرملين»، قائلة إنه «يناقض رغبة جورجيا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي».

وفي وقت لاحق، دعا المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، حكومة جورجيا إلى «احترام حرية التجمع والاحتجاج السلمي»، مؤكداً وقوف الولايات المتحدة مع «شعب جورجيا وتطلعاته»، كما عبّر عن «قلق» بلاده إزاء القانون.

بدوره، أعلن رئيس ديبلوماسية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أنّ مشروع القانون «بشكله الحالي يهدد بتقييد المجتمع المدني والهيئات الإعلامية مع تأثير سلبي للكثير من الجورجيين الذين تخدم هذه الجهات مصالحهم. هذا القانون لا يتوافق مع قيم الاتحاد الأوروبي ومعاييره». ودعا جورجيا إلى «الالتزام بالديموقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان على خلفية اعتماد القانون حول العملاء الأجانب».

إلى ذلك، أعرب الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، عن أمله بأن يحقق آلاف المحتجين على مشروع القانون في جورجيا «نجاحاً ديموقراطياً» في تحرّكهم ضد تشريع يعتبره منتقدوه أشبه بالتشريع الروسي المستخدم لـ«إسكات المنتقدين». وقال زيلينسكي في مداخلته المسائية: «ما من أوكراني لا يتمنى لجورجيا الصديقة النجاح. النجاح الديموقراطي، النجاح الأوروبي».

وفي السياق، قال توم ديوال، من مؤسسة كارنيغي أوروبا» إن «مشروع القانون وحملة القمع يمثلان تحدياً خطيراً في هذه الدولة المضطربة سياسياً». وأضاف، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إنها «لحظة كبيرة بالنسبة لجورجيا، البلاد لا تزال ديموقراطية، لكنها بالتأكيد ديموقراطية تكافح للبقاء».

وفي نيسان الماضي، أوضح رئيس الوزراء الجورجي إيراكلي غاريباشفيلي، أن العقوبات على روسيا «تتناقض مع المصالح (الجورجية)»، واصفاً سياسات حكومته بـ«المتوازنة»، والهادفة إلى «ضمان السلام والاستقرار».

وقال غاريباشفيلي: «منذ اليوم الأول، وإلى الآن، وغداً، كنت وسأظل أتصرّف دائماً طبقاً لمصالح بلدي وشعبي، وليس بإمكان أحد إجباري على التخلي عن هذا الموقف».