دخلت الحرب الروسية في أوكرانيا عامها الثاني على ما انتهى إليه العام الأوّل: معارك ضارية في شرق أوكرانيا وجنوبها، بالتزامن مع عقوبات جديدة غربية ضدّ موسكو، التي تعهّدت بـ«الانتصار في الحرب» والمضيّ إلى ما هو أبعد من ذلك، من أجل «ضمان أمنها القومي». وفي ظلّ تعذُّر انعقاد أيّ مفاوضات، ورفْع الطرفَين سقف شروطهما على نحوٍ جعل إمكانية التوصّل إلى حلّ سلمي في المدى المنظور شبه مستحيلة، كشفت الصين عن بنود مبادرة السلام التي كانت أعلنت قبل أيام، في خلال «مؤتمر ميونيخ للأمن»، نيّتها تقديمها. وفي وثيقة بعنوان «موقف الصين من التسوية السياسية للأزمة الأوكرانية» مكوَّنة من 12 بنداً، دعت بكين، موسكو وكييف، إلى استئناف الحوار، وأكّدت رفْضها اللجوء إلى السلاح النووي بأيّ حال. وجاء في الوثيقة الصادرة عن وزارة الخارجية الصينية أنه «ينبغي على جميع الأطراف دعْم روسيا وأوكرانيا للتحرّك في الاتّجاه نفسه، واستئناف الحوار المباشر بينهما في أسرع وقت ممكن».وشدّد البند الأوّل على ضرورة احترام سيادة الدول كافّة، مؤكداً أن «جميع الدول متساوية، بغضّ النظر عن حجمها أو قوّتها أو ثروتها»، وداعياً إلى تطبيق القانون الدولي بشكل موحّد والتخلّي عن المعايير المزدوجة. أمّا البند الثاني فطالب بنبذ عقليّة الحرب الباردة، لأنه «لا يمكن ضمان أمن دولة ما على حساب أمن الدول الأخرى، ولا يمكن ضمان الأمن الإقليمي من خلال تعزيز الكتل العسكرية وتوسيعها»، معتبراً أنه من الضروري «احترام المصالح المشروعة والهواجس الأمنية لجميع البلدان ومعالجتها بشكل مناسب». وحثّ البندُ الثالث على وقْف القتال والصراع لأنه «لا رابح في الصراعات والحروب»، وورد فيه أنه «يجب على جميع الأطراف التحلّي بالعقلانية وضبْط النفس، وعدم صبّ الزيت في النار، وعدم السماح بمزيد من التصعيد وخروج الأزمة الأوكرانية عن السيطرة». وحضّ البند الرابع على إطلاق مفاوضات السلام على قاعدة أن «الحوار هو السبيل الحقيقي الوحيد للخروج من الأزمة»، مشدّداً على أهمية «تشجيع كلّ الجهود الرامية إلى إيجاد حلّ سلمي، وتهيئة الظروف وتوفير منصّة لاستئناف المفاوضات». وبالنسبة إلى البندَين الخامس والسادس، فقد تناوَلا المسائل الإنسانية وأهمّية حماية المدنيين والأسرى، في حين نبّه البند السابع إلى أهمّية الحفاظ على سلامة المحطّات النووية. وأكد البند الثامن ضرورة التقليل من المخاطر الاستراتيجية، و«عدم جواز استخدام الأسلحة النووية أو شنّ حرب نووية»، داعياً إلى «مكافحة استخدام الأسلحة النووية أو التهديد باستخدامها وغيرها من أسلحة الدمار الشامل، وضرورة منْع الانتشار النووي». وفي بقيّة البنود، شجّعت بكين على ضمان استمرار تصدير الحبوب الأوكرانية والروسية، والتخلّي عن فرْض العقوبات أحادية الجانب، وضمان استقرار سلاسل الصناعة والإمداد. كما حضّت على معارضة تسييس النظام الاقتصادي العالمي واستخدامه كأداة وسلاح، وأبدت استعدادها للمساعدة والقيام بدور بنّاء في إعادة الإعمار في مرحلة ما بعد النزاع.
أعلنت وزارة الدفاع الأميركية عن حزمة جديدة من المساعدات الأمنية طويلة الأجل لأوكرانيا


ويأتي الكشف عن بنود المبادرة الصينية في أعقاب جولة لرئيس لجنة الشؤون الخارجية في «الحزب الشيوعي» الصيني، وانغ يي، اختتمها في موسكو، حيث بحث مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، والمسؤولين الروس، تلك المبادرة، ولاقى ترحيباً بجهود بلاده ودعماً لها. وفي المقابل، جاء ردّ واشنطن على الوثيقة الصينية سلبياً وممزوجاً بالسخرية، إذ قال مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، جيك ساليفان، في تصريحات إلى شبكة «سي إن إن»، إن الوثيقة «كان من الممكن أن تتوقّف عند النقطة الأولى، أي احترام سيادة جميع الدول»، مضيفاً أن «الحرب قد تنتهي غداً إذا أوقفتْ روسيا مهاجمة أوكرانيا وسحبتْ قوّاتها»، علماً أن الولايات المتحدة استبقتْ إعلان الخطّة الصينية بالحديث عن نيّة بكين تزويد موسكو بالأسلحة، وهو ما اعتبرتْه «تصعيداً خطيراً». من جهته، أشار الأمين العام لحلف «الناتو»، ينس ستولتنبرغ، إلى أنه «لا توجد ثقة كبيرة» ببكين «لأنها لم تُدِن الغزو الروسي غير الشرعي لأوكرانيا، ووقّعت اتفاقية شراكة لا محدودة مع روسيا قبل أيّام قليلة من الغزو». وأضاف ستولتنبرغ أن «الناتو» يرى مؤشّرات إلى أن «الصين تَدرس تقديم مساعدة عسكرية لروسيا»، محذّراً من أن ذلك «سيكون خطأ كبيراً». وفي الاتّجاه نفسه، اعتبر وزير الدفاع البريطاني، بن والاس، أن المساعدة العسكرية الصينية المفترَضة لموسكو «لن تسهم في حلّ الصراع»، وإنْ أعرب عن ثقته بأن بكين ترغب في إنهاء الحرب، في حين أبدى الرئيس الأوكراني، فولودمير زيلينسكي، استعداده لمناقشة الوثيقة الصينية بعد الاطّلاع عليها، معرباً عن رغبته في الاجتماع مع المسؤولين الصينيين لأن «هذا في مصلحة أوكرانيا اليوم»، قائلاً إن «الصين بدأت الحديث عن أوكرانيا وإرسال بعض الإشارات، وهذه نقطة إيجابية جدّاً».
ميدانياً، أعلنت قوات «فاغنر» سيطرتها على بلدة بيرخيفكا الواقعة في الضاحية الشمالية لمدينة أرتيوموفسك الاستراتيجية (باخموت). وذكر موقع «ريبار» العسكري الروسي أن السيطرة على هذه البلدة تُمكّن «فاغنر» من قطْع أحد أهمّ طُرق إمدادات الجيش الأوكراني. وجاء ذلك في وقت دافع فيه نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، دميتري مدفيديف، بمناسبة مرور عام على الحرب، بأن «الجيش الروسي يُعيد نشر السلام والأمان والعدل، ويجتثّ جذور النازية الجديدة»، مؤكداً، في تدوينة على «تليغرام»، أن بلاده «ستنتصر»، لافتاً إلى أن «هدفنا دفْع حدود التهديدات عن بلادنا إلى أبعد ما يمكن، حتى لو كان ذلك حدود بولندا». في المقابل، وإذ تعهّد الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، بالمُضيّ قُدُماً من أجل تحقيق النصر في عام 2023، فقد أقرّ بأن الوضع العسكري في جنوب أوكرانيا «خطير للغاية في بعض الأماكن»، مضيفاً أن «الأوضاع في الشرق صعبة للغاية» أيضاً. وأعلن وزير الدفاع الأوكراني، أوليكسي ريزنيكوف، بدوره، أن بلاده تُحضّر هجوماً مضادّاً ضدّ الجيش الروسي.
في هذا الوقت، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية عن حزمة جديدة من المساعدات الأمنية طويلة الأجل لأوكرانيا، بقيمة مليارَي دولار، تتضمّن المزيد من شحنات الذخيرة، ومجموعة متنوّعة من الطائرات المسيّرة الصغيرة عالية التقنية، فيما أكد «حلف شمال الأطلسي» أنه «مصمِّم على مساعدة أوكرانيا» على التصدّي «للغزو الروسي». وفي الاتّجاه التصعيدي نفسه، واصلت واشنطن فرْض عقوباتها الأحادية الجانب على موسكو، بهدف ضرْب اقتصادها، والحدّ من إمكانية وصولها إلى التكنولوجيات الحسّاسة مِن مِثل أشباه الموصلات. وأوضح البيت الأبيض، أمس، أن العقوبات الجديدة التي تستهدف قطاعات كالمصارف والصناعات الدفاعية، ستطاول «أكثر من مائتَي شخص وكيان، بما في ذلك فاعلون روس ودول ثالثة عبر أوروبا وآسيا والشرق الأوسط تدعم المجهود الحربي الروسي». وأعلنت بريطانيا، بدورها، فرْض حزمة جديدة تستهدف قطع غيار الطائرات وأجهزة اللاسلكي والمكوّنات الإلكترونية، وتمسّ بالمزيد من المديرين التنفيذيين الروس، بمن فيهم من شركة «روس آتوم» للطاقة النووية، وغيرهم ممّن يعملون في قطاع الدفاع وبنوك روسية.