طهران | مرّت خمسة أشهر على اندلاع الاحتجاجات المناهضة للنظام الإسلامي في إيران، والتي تراجعت وتيرتها بشكل ملحوظ خلال الشهر الماضي، فيما تَثبّت الافتراق، أكثر من أيّ وقت مضى، بين فسطاطَي المعارضة: القائم داخل البلاد، وذلك الذي في خارجها. وعلى رغم اشتراك كلَيهما في الاستياء من الوضع القائم والدعوة إلى تغييره، غير أن ثمّة خلافات واسعة بينهما حول طريقة هذا التغيير وشكله.
معارضة الداخل: «الانتقال» الغامض
انبثقت النواة الرئيسة لمعارضة الداخل من «التيّار الإصلاحي». وجوه هذا الأخير كانوا يشتغلون، في ما مضى، على محاولة «إصلاح» السياسات والتوجّهات من داخل النظام، لكنّهم توصّلوا، اليوم، إلى نتيجة مفادها أن هذا الطريق بات مغلَقاً، وأن «دينامو» النظام غير جاهز لإفساح المجال أمامهم، ما حدا بهم إلى المطالبة بـ«الانتقال الديموقراطي»، أو «إصلاح الهيكلية»، أو «تغيير الدستور». على رأس هؤلاء يأتي مير حسين موسوي، الذي شغَل، في العقد الأوّل بعد انتصار الثورة الإسلامية، منصب رئيس الوزراء، وعُدّ آنذاك من الوجوه القريبة من مؤسّس الجمهورية آية الله الخميني. عاود موسوي، بعد اعتزال دام سنوات، دخول المعترك السياسي في عام 2009، من بوّابة «التزوير» المفترَض في الانتخابات الرئاسية التي نافسه فيها الرئيس الإيراني السابق، محمود أحمدي نجاد، ليصبح الأوّل إثر ذلك زعيم الاحتجاجات التي عُرفت بـ«الحركة الخضراء». ويطالب موسوي الذي يخضع للحجز المنزلي منذ ما يزيد على عقْد، اليوم، بتشكيل «نظام جديد» و«تغيير الدستور» من خلال «مجلس تأسيسي»، وفق ما جاء في بيان حديث صادر عنه، أثار جدلاً واسعاً في الوسط السياسي، وعُدَّ لدى كثيرين بمنزلة دعوة إلى تخطّي النظام الإسلامي. على أن البيان، الذي لم يتطرّق إلى كيفية إحداث «التغيير» المنشود، لم يُشِر إلى خيار «الثورة»، كما لم يدعم مسار الانهيار الكامل للنظام السياسي، وهو ما تمّت قراءته على أنه «مطالبة بالانتقال» الهادئ إلى نظام جديد، بعيداً عن الأساليب العنفية، وتدخّل الدول الأجنبية، ومع التمسّك بوحدة أراضي البلاد، في ما يمثّل قائمة أولويات المعارضة الداخلية.
يسعى الغرب إلى تضخيم حضور معارضة الخارج ودورها بهدف تصعيد الضغط على طهران


وإلى موسوي، ثمّة وجوه أخرى تندرج ضمن الفئة نفسها، من بينها مصطفى تاج زادة، مساعد وزير الداخلية إبّان عهد محمد خاتمي، والذي يقضي حالياً عقوبة السجن. ويَعتبر تاج زاده، الذي دَعم ومعه عدّة شخصيات أخرى بيان موسوي المُشار إليه، منذ سنوات، أن السبيل الوحيد لـ«نجاة إيران» يكمن في «إصلاح الهيكلية»، باعتباره خياراً وسطيّاً ما بين «الإصلاحات» و«الثورة». كما تُعدّ فائزة هاشمي، ابنة أكبر هاشمي رفسنجاني، الرئيس الإيراني الأسبق والشخصية البارزة في الجمهورية الإسلامية، من «نجوم» معارضة الداخل، التي تحظى بأصوات مساندة في الخارج، يتصدّرها عبد الكريم سروش، الذي يعيش حالياً في أميركا.

معارضة الخارج: «ثورة» على ظهْر الغرب
تضمّ المعارضة الإيرانية في خارج البلاد جماعات متعدّدة، أهمّها «منظمة مجاهدي خلق» التي يمكن اعتبارها أكثر التيّارات تنظيماً. تُضاف إليها الأحزاب العرقية لا سيما الكرديّة، والجمهوريون، ومن ثمّ الملَكيون. وإذ تَبرز في ما بين هؤلاء خلافات جوهرية، إلّا أنهم يجتمعون على دعْم خيار «الثورة» والتغيير الكامل للنظام الإسلامي، ولو من خلال استدعاء تدخُّل القوى الأجنبية، ومباركة سياسة «الضغوط القصوى» الأميركية التي تصدّى كثيرون منهم منذ سنوات للدفاع عنها، وصولاً حتى إلى مطالبة البعض بالتدخّل العسكري، على اعتبار أن «التغيير» مستحيل من دون الضغط الخارجي.
ويتصدّر قائمةَ مُعارضي الخارج، رضا بهلوي، ابن آخر ملوك إيران، الذي اقترح، أخيراً، إقامة «الملَكية الانتخابية» بدلاً من «الملَكية الوراثية». وفد كان أحدث ظهور له في «مؤتمر ميونيخ للأمن»، الأسبوع الماضي، حيث نُظر إلى دعوته وشخصيات مُعارضة أخرى معروفة بمطالبتها بتكثيف العقوبات ضدّ إيران (بنازنين بنيادي، ومسيح علي نجاد)، إلى المؤتمر بدلاً من الحكومة، على أنه انعكاس للخطّة الأمنية الغربية القائمة على تضخيم وجود معارضة الخارج ودورها، بهدف تشديد الخناق على طهران. وقبل أسبوعَين، عُقد اجتماع استضافتْه بصورة مشتركة كلّية العلاقات الدولية و«الجمعية الثقافية الإيرانية» في جامعة «جورج تاون» في واشنطن، تحت إدارة كريم سجاد بور، كبير الباحثين في «مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي»، شارك فيه بهلوي، وبنيادي، وعلي نجاد، وحامد إسماعيليون المقيم في كندا.
وعلى رغم عدم امتلاك المعارضة الخارجية نفوذاً في إيران، إلّا أن صوتها يظلّ أعلى من نظيرتها في الداخل، كونها مدعومة بشكل أكبر من الدول الأجنبية. ومع ذلك، فإن الديناميات الداخلية هي التي ستحسم وُجهة الأوضاع في البلاد، لا سيما وأن القرارات «التغييرية» التي بدأ اتّخاذها في أعقاب الاحتجاجات، لن تكون دونما تأثير، وفق توقّعات مراقبين.