لم يكن مفاجئاً أن يشكلّ «الحاميتس» (أو الخمير) بداية أزمة حكومة نفتالي بينت - يائير لابيد، والتي تعاظمت إلى أن انفجرت مع تقديم عيديت سيلمان، رئيسة الائتلاف الحاكم آنذاك، وعضو «الكنيست» عن حزب «يمينا» (بقيادة بينت)، استقالتها، إثر رفْض مستشفى «هداسا» إدخال الخمير، الذي تحظر الشريعة اليهودية أَكْله في «الفصح اليهودي». وأتى قرار الاستقالة بعدما أَجبر وزير الصحّة «اليساري»، نيتسان هروفيتش، إدارة «هداسا» - بقرار من «المحكمة العليا» -، على «مخالفة الشريعة»، وإدخال الطعام الذي يحتوي على الخمير للمرضى والأطباء والممرّضين غير المتديّنين. بعد أشهر من ذلك، بات المتشدّدون اليهود، الممثّلون بحزبَي «شاس» و«يهودية التوراة»، ركنَين أساسيَين في الائتلاف الحاكم، ما أتاح لهما فرصة «الانتقام»، الهادف في نهاية المطاف إلى إعلاء مكانة التوراة والتلمود في المنظومة الإسرائيلية، أو بتعبير آخر «تلمدة الدولة».

وتبدّى ما تَقدّم في مبادرتهما إلى طرْح سلسلة مشاريع قوانين عَدّها العلمانيون بمثابة «إكراهٍ ديني»، كانوا قد اتّفقوا عليها مع «الليكود» الذي يتزعّمه رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ضمن التفاهمات الائتلافية التي سَبقت تشكيل الحكومة. وفي التفاصيل، قدَّم رئيس لجنة المال، عضو «الكنيست» عن حزب «يهودية التوراة» (الحريدي الأرثوذوكسي)، موشي غافني، إلى البرلمان، مشروعَي قانونَين: يحظر الأوّل إدخال «الحاميتس» إلى المستشفيات في «الفصح»، فيما يَمنع الثاني الجمع بين الجنسَين، وينظّم ساعات الاستحمام المنفصلة للرجال والنساء في الينابيع والمحميّات الطبيعية التابعة لسلطة الحدائق. ويُلزم الـ«حاميتس»، وزارة الصحة، بحظر إدخال مأكولات تحتوي على الخمير إلى المستشفيات الإسرائيلية خلال أسبوع «عيد الفصح اليهودي»، بدعوى أن هذا الأخير «يُعتبر، بناءً على دراسات واستطلاعات رأي إسرائيلية، العطلة الأكثر أهمّية في إسرائيل، بين جميع فئات السكّان؛ إذ إن الغالبية العظمى من الشعب اليهودي تحتفل بالفصح العبري، ومهتمّة في الوقت نفسه بالحفاظ على التعاليم الدينية التي تحظر تناول الأطعمة التي تحتوي على الخمير خلال أسبوع العيد». وأشار غافني إلى أنه «على مدار العام، لا تحظر قوانين الكوشير (الحلال وفق الشريعة اليهودية) أكل الحاميتس. في عيد الفصح تكون هذه القوانين صارمة للغاية، إذ يُعدّ أكل الخمير محظوراً»، مضيفاً أنه «على مدى 75 عاماً، حظرت المستشفيات الإسرائيلية إدخال الحاميتس خلال عيد الفصح، الأمر الذي مكّن المرضى اليهود من المحافظة على الكوشير (عدم انتهاك قداسة الفصح)».
وفي الإطار نفسه، ذكّر رئيس لجنة المال، وفق ما جاء في نصّ المشروع الذي بادر إلى طرْحه، بالحادثة التي أدّت إلى استقالة سيلمان، لافتاً إلى أنه «في نهاية نيسان 2020، حكمت المحكمة العليا بغالبية القضاة بأن المستشفيات ليست لديها سلطة قانونية لحظر إدخال مادة الحاميتس». وفسّر ذلك بالقول إن «غالبية المواطنين في إسرائيل الذين يحافظون على الشريعة اليهودية في عيد الفصح لا يمكنهم تلقّي العلاج الطبّي والدخول إلى المستشفى عمليّاً». وتعليقاً على مشروع «الحاميتس»، أمل وزير الثقافة والرياضة «الليكودي»، ميكي زوهر، في أن يدخل القانون حيّز التنفيذ قبل «عيد الفصح» الذي يحلّ في نيسان المقبل، متّهِماً وزير الصحّة السابق بأنه أَجبر «هداسا» على عدم احترام الشريعة اليهودية، لأنه «يَساري وفعل ذلك ضدّ اليمين وضدّ المتديّنين».
اعتبرت المعارضة أن مشروعَي القانونَين المقترحَين يُبطلان الوضع القائم ويبعدان الجمهور العلماني عن الدين


أمّا من خلال مشروع قانون الفصل بين الجنسَين، فاقترح غافني ومجموعة من أعضاء حزبه، أن تُخصِّص إدارة المتنزّهات والحدائق والمحميّات والمنتجعات الطبيعية، 15% من أوقات عملها للفصل بين الإناث والذكور. وفي هذا الإطار، ذكرت صحيفة «إسرائيل اليوم» العبرية، أمس، أنه، في عام 2020، جرّبت سلطة الطبيعة والحدائق تطبيق مشروع الفصل بين الجنسَين، وتخصيص ساعات استحمام منفصلة في محميّة «عين تسكيم»، الأمر الذي دفع وزارة القضاء الإسرائيلية إلى تجميد المشروع للتأكّد من أن للسلطة المذكورة الصلاحيات القانونية التي تخوّلها اتّخاذ تلك الإجراءات، وفحْص احتمال أن تضرّ خطواتها بالآخرين (من غير المتديّنين). وجاء في النصّ المقترَح أنه «يوجد في إسرائيل ما لا يقلّ عن 20% من السكّان من جميع الديانات، والذين لأسباب دينية يتجنّبون الاستحمام في الأماكن التي لا تَفصل بين الجنسَين في ساعات عمل معيّنة. ونتيجة لذلك، مُنع هؤلاء من زيارة المواقع والاستحمام فيها». وادّعى مقترِحو المشروع أن هذه الفئات «تتعرّض للتمييز، الذي اشتدّ أخيراً على خلفيّة عدم سماح هذه الأماكن بالفصل بين الجنسَين في أوقات محدَّدة».
وانضمّ مشروعا القانون إلى العاصفة المُثارة من قِبَل المعارضة ضدّ الائتلاف الحاكم؛ إذ علّق وزير الثقافة السابق وعضو «المعسكر الوطني»، هيلي توبر، في مقابلة مع «واينت - راديو»، قائلاً إن «هذه ليست اليهودية التي تعبّر عنّي. إن أسوأ شيء يمكن أن يحصل هو استغلال القوّة السياسية من أجل السيطرة والحُكم والإكراه. مشروعا القانون بعيدان كلّ البعد عن الدين والموروث اليهودي». وأضاف: «مع أنّني - لو كنتُ مريضاً في المستشفى - كنتُ سأطلب من الذين يزورونني احترام الفصح وعدم المجيء بطعام يتضمّن الخمير، وأنا أقول إن 99% من الذين أَعرفهم سيحترمون ذلك، لا أجد مبرّراً لسنّ قانون يحظره. هذا إكراه ديني لا يقرّبنا من الدين اليهودي، وإنّما يبعدنا عنه». وتقاطَع حديثه مع ما قاله عضو «الكنيست» عن حزب «إسرائيل بيتنا»، إفغيني سوفا، الذي وصف المقترحَين بـ«الإكراه الديني»، معتبراً أنهما «يُبطلان الستاتيكو (الوضع القائم)، ويبعدان الجمهور العلماني عن الدين».
أمّا رئيسة حزب «العمل»، عضو «الكنيست» ميراف ميخائيلي، فتوجّهت إلى غافني، في تغريدة عبر حسابها على «تويتر»، قائلةً بهزء ممزوج بالغضب: «سيّد غافني، بسعادتي نفسها التي أبديها وأنا أرقص في حفلك الخاص القائم على الفصل بين الجنسَين، سأحاربك حتى لا تُحوّل الدولة كلّها إلى (الإيفينت) الخاص بك. لن نسمح بأن تسحبونا إلى الوراء، ليس في الحافلات والمواصلات، ولا في أيّ مكان آخر»، واصفةً مشروعَي القانونَين بأنهما «خطوات إضافية على طريق الانقلاب التشريعي الذي يقوده نتنياهو ويدفع به أعضاء ائتلافه تحت غطائه»، معتبرةً أن «(نتنياهو) غير مبالٍ لأن لديه مسبحاً خاصاً في البيت». من جهتها، وصفت عضو «الكنيست» عن «إسرائيل بيتنا»، يوليا ميلنوبوسكي، مبادرة غافني بأنها «إكراه ديني صارخ»، مشيرة إلى أن «الائتلاف يواصل هيجانه. بعد قانون الحاميتس يتوقّف العمل في المواصلات يوم السبت، والآن يقرّر غافني أنه في تنزّهنا في الطبيعة، ستكون هناك ساعات فصل بين الجنسَين».