موسكو | حدّد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في اجتماع موسّع ضمّ كبار القادة العسكريين، وحضره وزير الدفاع سيرغي شويغو، مهامّ الجيش الروسي، للعام المقبل. وإذ استهلّ اللقاء بشكر «جميع الضباط والجنود الذين يقدّمون حياتهم فداءً للوطن»، فهو أكد أنه «على رغم وقوف إمكانات الناتو قاطبة ضدّنا، فإن بسالة ضبّاطنا ستُكمل أهداف العملية الخاصة»، مستعرضاً، في الوقت نفسه، الخلاصات المُحقَّقة إلى الآن من الحرب في أوكرانيا، التي تدخل اليوم شهرها الحادي عشر. وأشار، في هذا الإطار، إلى أن «العمليات العسكرية طَرحت عدداً من القضايا التي يجب علينا التعامل معها، مِن مِثل الاتصالات، والأتمتة، وتكتيكات حرب البطاريات»، مشدّداً على أنه «لا بدّ من تطوير العمل مع الوزارات المختصّة والتنسيق مع المختصّين في مجال الإدارات الهندسية والمراكز البحثية»، مضيفاً أن «توازن الردع النووي هو أساس الاستقرار في العالم». كذلك، شدّد على أنه «في المجمل، لا بدّ من توسيع استخدام الذكاء الاصطناعي على جميع مستويات الإدارة».وفيما بدا بوتين واثقاً من الانتصار في الحرب ضدّ أوكرانيا، وفق ما صرّح به في الاجتماع نفسه، فهو طمْأن إلى أنه لا نيّة لديه «لعسكرة الاقتصاد أو عسكرة الدولة... سنقوم بحلّ جميع مشكلات القوات المسلحة الروسية من دون أيّ اقتطاع من الحياة المدنية». واعتبر أن الحرب «تجربة قيّمة لتعزيز الجيش الروسي»، داعياً إلى تسريع وتيرة إعادة تسليحه وتحديثه، كاشفاً أنه «في مطلع الشهر المقبل، ستكون الفرقاطة أميرال غورشكوف في الخدمة ومزوّدة بصواريخ تسيركون جديدة لا مثيل لها في العالم». كذلك، أعلن بوتين أن الأسطول الروسي سيحصل، اعتباراً من مطلع الشهر المقبل، على صواريخ جديدة فرط صوتية عابرة من طراز «تسيركون»، وهو سلاح من المجموعة الجديدة التي طوّرتها موسكو في السنوات الماضية.
من جهته، أعلن شويغو، في تقرير خلال الاجتماع، خطط بلاده لإنشاء قاعدتَين بحريتَين في مدينتَي برديانسك وماريوبول الأوكرانيتَين، على بحر آزوف، واللتين سيطرت عليهما روسيا خلال الحرب. وأشار شويغو إلى أن «الميناءَين في برديانسك وماريوبول يعملان بكامل طاقتهما، نخطّط لنشر قواعد فيهما لدعم السفن وخدمات الإنقاذ في حالات الطوارئ ووحدات إصلاح سفن البحرية»، مؤكداً أن بحر آزوف عاد بحراً روسيّاً خالصاً، كما كان على مرّ التاريخ. وعن تحديث الجيش الروسي، اقترح وزير الدفاع زيادة عديد العناصر المقاتِلة، إلى 1.5 مليون عنصر، من بينهم 695 ألف جندي متعاقد، إضافة إلى رفْع سنّ الخدمة العسكرية. ولفت، في هذا الإطار، إلى أن «حجم التمويل للقوات المسلحة لهذا العام، جعل من الممكن زيادة إمدادات القوات بالأسلحة بنسبة 30%». كما كشف عن «إطلاق المركبة الفضائية السادسة كوبول (القبة)، والتي تتيح المراقبة المستمرّة للمناطق المعرّضة للصواريخ في نصف الكرة الأرضية الشمالي»، معلناً أنه تمّ «تجديد الثالوث النووي الروسي بأوّل قاذفة استراتيجية من طراز TU-160M»، وأن «القوات النووية الاستراتيجية نجحت، خلال التدريبات، في تنفيذ مهامّ توجيه ضربة نووية ضخمة ردّاً على هجوم نووي من العدو». وتعليقاً على الحرب في أوكرانيا، قال شويغو إن روسيا تقاتل هناك «قوات الغرب المتضافرة»، بسبب دعْمها المالي الذي وصل إلى نحو 97 مليار دولار وشحنات الأسلحة لمصلحة كييف.
أعلن بوتين أن صواريخ «تسيركون» ستدخل الخدمة اعتباراً من الشهر المقبل


ومنذ انطلاق الحرب في شباط الماضي، سال حبر كثير عن فعالية الجيش الروسي، خصوصاً بعدما فشل في حسْم معركة كييف سريعاً، وبعد قراره الانسحاب من محيط العاصمة الأوكرانية، ثمّ لاحقاً انسحابه من محيط مدينة خاركيف ومدينتَي كراسني ليمان وخيرسون، وغيرهما على طول الجبهة في دونباس وشرق أوكرانيا. وعلى رغم أن الحرب أظهرت، في أكثر من محطّة من محطّاتها المهمّة، أن الجيش الروسي فشل في تحقيق أهدافه، في موازاة مواجهته أزمات عدّة على صعيد الإمداد العسكري واللوجيستي والعملياتي، لكن تجدر الإشارة إلى أن القوات الروسية، مدعومةً من القوات الشيشانية وقوات «جمهوريتَي لوغانسك ودونيتسك» ومقاتلي «فاغنر»، لا تقاتل الجيش الأوكراني فحسب، بل جيوش «الناتو» مجتمعة. على أن ذلك لم يمنع موسكو من الإشهار، أكثر من مرّة، أن الفشل في تحقيق الأهداف ليس سببه ما يُقدَّم لكييف من دعم، بل أيضاً إخفاق القائمين على العملية العسكرية في التحضير الجيّد لها، والاستفادة الجيّدة من الدروس التي تعلّمها الجيش الروسي - خاصّة في سوريا -. وبناءً على ما تقدَّم، حصلت التغييرات الكبيرة في قيادة الحرب، بدءاً من تعيين الجنرال سيرغي سوروفيكين، قائداً للعملية العسكرية، بعد أشهر من تشتُّت القيادة، والذي أدّى، في الكثير من المحطّات، إلى تأخير «بيروقراطي» في حسْم الأهداف، ونجمت عنه خسارات متتالية للجيش، ظهّرها الغرب على أنها هزائم جيش غير محترف.
ومع الوقت، غيّر الجيش الروسي الكثير من خططه، فاستعاض عن الهجمات الجويّة المكثّفة التي شنّها في بداية الحرب، والتي لم تؤدّ الهدف منها، إلى استهداف أوكرانيا بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة المفخّخة، والتي بدأت تَظهر آثارها الفعلية في الميدان. كذلك، اعتمد «تكتيك المحاصَرة» الذي اعتمده الجيش الأحمر في الحرب الوطنية العظمى، وبانت فعاليته في أكثر من مدينة، وتحديداً في ماريوبول وسيفيرودونيتسك وليسيتشانسك. ولم تخفِ موسكو أن من بين أكبر العقبات التي تواجهها، تعقُّب اتصالات الجيش الأوكراني نتيجة اعتماد كييف على عدد هائل من الأقمار الاصطناعية وضَعها «الناتو» وواشنطن في خدمتها، وهو ما أقرّ به وزير الدفاع الروسي في أكثر من مناسبة، ودفَع المراقبين إلى توقُّع أن تشهد المرحلة المقبلة إمكانية نشوب «حرب فضائية» بين موسكو والغرب لإسقاط «الأقمار المعادية» لموسكو.
وأمام التغيرات الحاصلة في أرض الميدان الأوكراني، يبرز سؤالُ ماذا في جعبة موسكو بعد لاستكمال حربها بعد مرور نحو عام على إطلاقها؟ وإنْ كان من الصعب معرفة المفاجآت التي تخبّئها، يبقى واضحاً أن نهاية الحرب لن تكون في المدى المنظور، وهو ما عبّر عنه الرئيس الروسي، قبل مدّة. لكن المؤكد أن موسكو ماضية في استراتيجية الأرض المحروقة، والتي تشمل تدمير البنية التحتية الأوكرانية من طاقة ونقل، وذلك بهدف خلْق عقبات أمام تسليم الأسلحة الغربية إلى خطّ المواجهة، بالإضافة إلى تدمير مستودعات الأسلحة الغربية التي تصل إلى كييف، وتدمير منهجي لبطاريات الصواريخ الأوكرانية متوسّطة المدى للقضاء على التهديدات التي يتعرّض لها الطيران الروسي.