بيرو هي دولة في غرب أميركا اللاتينية، تحدّها من الشمال الإكوادور وكولومبيا، ومن الشرق البرازيل، بينما تحدّها بوليفيا من الجنوب الشرقي، وتشيلي من الجنوب، ويُطِلّ غربها على المحيط الهادئ. عدد سكّانها يتخطّى الـ32 مليون نسمة، بمتوسّط عمر 74.9 عاماً. هي دولة غنية للغاية؛ فتربتها تحوي كمّيات ضخمة من الذهب، والفضة، والنحاس، والزنك، والليثيوم، ما يجعلها محطّ مطامع الشركات الاحتكارية العملاقة عبر وكلائها من الطبقة الكمبرادورية والأوليغارشية البيروفية. كما أنها تقع في المرتبة الثانية في الإنتاج العالمي للنحاس بعد جارتها تشيلي، وهي ثالث أكبر مُنتِجٍ للفضة والزنك في العالم، والسادسة في الذهب. لبيرو أعلى معدّل احتياطيّ من العملات الأجنبية - نسبة إلى حجم اقتصادها - في أميركا اللاتينية، بواقع 74 مليار دولار. وعلى الرغم من أن العديد من بلدان القارة اللاتينية تعاني – أو عانت في فتراتٍ ما – من تضخُّم مفرط، إلّا أن نسبته في بيرو لم تتعدّ 10% منذ عام 1997، فيما تشير العديد من التقارير إلى أن معدّل التضخّم السنوي سيبلغ هذا العام 8.2%، مقارنة بنحو 100% في جارتها الأرجنتين، و160% في فنزويلا. أدّى تباطؤ الاقتصاد العالمي منذ الأزمة العالمية عام 2008 - وبشكل خاص منذ عام 2014 -، إلى تداعيات على صادرات المعادن البيروفية، فاقمها الشلل الاقتصادي نتيجة تفشّي «كوفيد 19» في أنحاء المعمورة، والأزمات السياسية والانفجارات الشعبية المتصاعدة من شمال القارة اللاتينية إلى جنوبها، وفي داخل بيرو نفسها، في ما أدّى بمجمله إلى ارتفاع معدّلات البطالة وانخفاض القوة الشرائية للبيروفيين. وهكذا، بدا مئات الآلاف من هؤلاء في طريقهم إلى السقوط في فوّهة الفقر المدقع.
تنخفض توقّعات نموّ إجمالي الناتج المحلّي الحقيقي لعام 2022 في بيرو من 2.5% إلى 2.3%، في حين يبلغ معدّل الفقر هذا العام 25%، ما يعني أن واحداً من كلّ أربعة بيروفيين لا يملك ما يكفي من المال لتلبية احتياجاته الأساسية من الطعام. كذلك، يعيش 51% من البيروفيين في حالة من انعدام الأمن الغذائي، وفقاً لدراسة أجرتها «منظّمة الأغذية والزراعة» (FAO) عام 2021. ويشير فرناندو فيراستيغي – مُنسِّق مشروع المنظّمة في بيرو – إلى أن «20% من هؤلاء يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحادّ»، ما يعني أن نصف البيروفيين تقريباً «يأكلون أقلّ ممّا يحتاجون».
رفعت وكالة «فيتش» الدولية للتصنيف الائتماني، منذ 8 سنوات، تصنيف بيرو، إلى مرتبة «BBB+»، ما أعطى الضوء الأخضر لرأس المال الأجنبي للاستثمار داخل هذا البلد بين عامَي 2003 و2013، بناءً على مؤشّرات قوة الاقتصاد. وكان لبيرو في هذه الفترة أعلى معدّل نموّ للناتج المحلّي الإجمالي في أميركا اللاتينية، بفضل ارتفاع الطلب العالمي على المعادن التي تعمل على استخراجها الشركات المتعدّدة الجنسيات. لكن في تشرين الأول 2021، قامت الوكالة بمراجعة التصنيف الائتماني لبيرو، مُخفِّضةً إيّاه إلى «BBB»، الأمر الذي لم يشكّل تهديداً كبيراً بالنسبة إلى الاستثمارات الأجنبية. تتوقّع «فيتش» استمرار ضَعف الاقتصاد البيروفي والوضع السياسي الداخلي غير المستقرّ حتى عام 2024، فيما يشير تقريرها الصادر في تشرين الأوّل الماضي إلى «تراجُع الاستثمار الداخلي، وانخفاض الثقة في الأعمال التجارية» كما أن «السياسات النقدية والمالية الصارِمة أدّت إلى إضعاف الطلب المحلّي، ليظلّ نموّ الائتمان التجاري ضعيفاً في الفترة من حزيران إلى آب». وتعكس مخاوف وكالات التصنيف مطالب رأس المال الدولي من حكومة بيرو، بشأن حلّ النزاعات الاجتماعية القائمة، ولا سيما في المقاطعات التي تحوي أعمال تعدين.
يتّضح، ممّا سبق، أن التراتب الطبَقي في بيرو شديد الحِدّة، فقلّة قليلة من ذوي النفوذ تعتلي المناصب الاقتصادية الرفيعة، مستفيدة من أعمال التعدين والاستخراج، في حين يعاني أكثر من نصف السكّان من الفقر، ومن المتوقّع أن تزداد نسبة الفقراء في السنوات القادمة. والجدير ذكره، هنا أيضاً، أن المجتمعات الأصلية في بيرو تعاني بالمثل من مشاكل متفاقمة؛ فالشركات المتعدّدة الجنسيات لا يتوقّف نشاطها فقط على أعمال الاستخراج والتعدين، بل وكما تشير تقارير إخبارية عديدة على مرّ السنوات الخمس السابقة، فإن تلك الشركات تسلّلت بالفعل إلى الأراضي الزراعية التي تحتضن السكّان الأصليين، مُجرِّفة التربة ومُقطِّعة للأشجار، وهذا صحيح بدرجة كبيرة في المقاطعات الأمازونية.