موسكو | تشتدّ المعارك على طول جبهة دونيتسك، على رغم صعوبة تحقيق اختراقات مهمّة من الآن وحتى نهاية الشهرَين المقبلَين، خصوصاً بالنسبة إلى الجيش الأوكراني، الذي يواجه صعوبات لوجستية، مردّها شراسة الحملة التي تشنّها روسيا ضدّ المرافق الحيوية الأوكرانية. حملةٌ لا تبدو موسكو في وارد التراجع عنها، على رغم تصاعد ردود الفعل الغربية المندّدة بها، وذلك لِما يلمسه فيها الروس من «نجاعة» في شلّ القدرات العسكرية الأوكرانية، وتضخيم الثمن الذي يدفعه المدنيون من جرّاء الحرب، والذي يتجلّى، في بعض وجوهه، في أزمة طاقة خانقة، دفعت الرئيس الأوكراني إلى مناشدة أوروبا تزويد بلاده بالكهرباء حتى انتهاء موسم البرد
تُواصل روسيا استهداف البنية التحتية الأوكرانية، مُتجاهِلةً الأصوات الغربية المندّدة باتّباعها هذا النهج، فيما أقرّت أوكرانيا بأن وضعها أصبح صعباً جدّاً على مستوى الطاقة وخاصة الكهربائية، مع اشتداد البرد القارس وانخفاض معدّلات الحرارة. وتأتي الضربات الروسية المتواصلة بأعتى الأسلحة الباليستية، وآخرها استهداف القواعد العسكرية الأوكرانية بصواريخ «إسكندر» الباليستية وفق ما أظهره مقطع فيديو لوزارة الدفاع الروسية، تكريساً لما أبلغه الرئيس فلاديمير بوتين، للمستشار الألماني أولاف شولتز، خلال اتّصال هاتفي بينهما قبل أيام، من أن استهداف البنية التحتية الأوكرانية أمر لا مفرّ منه. وأمام التصعيد الروسي، أقرّ الجيش الأوكراني بعجزه عن إسقاط الصواريخ الروسية، الأمر الذي يضع كييف أمام أزمة صعبة على الأصعدة كافة. فالكهرباء والاتصالات أصبحت شبه معدومة في مناطق كثيرة منها خيرسون على سبيل المثال - والتي تعطّلت فيها الحياة بشكل كامل ما حمل السلطات الأوكرانية على مناشدة مُواطنيها مغادرة المدينة -، في وقت يستمرّ فيه استهداف السكك الحديدية. وفي هذا الإطار، نبّه الرئيس الأوكراني، فلودومير زيلينسكي، إلى أن بلاده بحاجة طارئة إلى إمدادات الكهرباء من أوروبا، على الأقلّ حتى نهاية موسم التدفئة، بحجم يصل إلى 2 غيغاوات.
تشير المعلومات إلى أن الجيش الأوكراني اضطرّ إلى نقل الألوية على عجل إلى حدود مدينة باخموت


وتتطلّع موسكو، من وراء تكثيف ضرباتها الصاروخية، إلى تغيير المعادلة في الميدان، مستهدفةً «تركيع أوكرانيا» بعد تدميرها. وهذا ما أعلنه صراحة القائم بأعمال رئيس «جمهورية دونيتسك الشعبية» المعلَنة من قِبَل روسيا، دينيس بوشيلين، بقوله إن «الهزيمة العسكرية لكييف تقترب بفضل الضربات الروسية على منشآت الطاقة». وأوضح بوشيلين أن «تأثير الضربات على المرافق ومنشآت الطاقة على أراضي أوكرانيا، يعقّد الخدمات اللوجستية ذات الطابع العسكري، ويعقّد الاتصالات بين الوحدات، ويجعل من المستحيل التشغيل الكامل لقواعد إصلاح معدّات التشكيلات المسلّحة». وتأتي هذه التطوّرات بالتزامن مع اشتداد المعارك على جبهة دونباس، حيث أعلن بوشيلين «تحرير أكثر من 50% من أراضي الجمهورية من القوات الأوكرانية»، مبيّناً، في مقابلة مع وكالة «نوفوستي»، أن «المهمّة هي تحرير كامل أراضي جمهورية دونيتسك الشعبية ضمن الحدود الدستورية»، مضيفاً أن «قوّاتنا تبذل كلّ ما في وسعها لضمان حدوث ذلك في أسرع وقت ممكن». وأقرّ بأن «التقدّم في بعض المناطق كان صعباً، وخصوصاً على طول خطّ التماس في كراسني ليمان التي خسرها الجيش الروسي مطلع شهر تشرين الأول الماضي». وفي هذا الإطار، نقلت وكالة الإعلام الروسية عن بوشلين قوله إن «الوضع لا يزال صعباً، فالعدو يحاول الهجوم المضادّ، لكن وحداتنا تسيطر الآن على جميع المواقع... ليس من الممكن المضيّ قُدُماً على الدوام»، فيما ذكرت وكالة «تاس» الروسية، نقلاً عن مسؤول آخر معيَّن من قِبَل موسكو، أن «وحدات روسية حاصرت بلدة مارينكا مع اندلاع قتال عنيف في شوارعها».
ووفق الخبراء الروس، فإن هناك نوعاً من الجمود الموضعي في جبهة دونباس. ويَلفت الخبير في الشؤون العسكرية، فلاديسلاف شوريجين، إلى أن «كلا الجيشَين حشدا عدداً كبيراً من القوات على طول الجبهة، لكن حتى الآن لا يمكنهما تحقيق اختراقات مهمّة». ويوضح شوريجين أن «الجيش الروسي يعمل على إبعاد القوات الأوكرانية عن المناطق التي تقصف منها هذه الأخيرة مدينة دونيتسك يومياً»، مبيّناً أن «كلّ العمليات العسكرية القائمة حالياً لن تحدّد نتيجة حملة الشتاء، وهي معارك لا تؤثّر فعلياً على تغيير المشهد على الأرض»، مستدرِكاً بأنه «لو نجح الجيش الروسي في السيطرة على مدينة باخموت في غضون أسبوع أو أسبوعين، فسيخلق تهديداً معيّناً في هذا الاتّجاه»، مشدّداً على أن «روسيا بحاجة إلى شنّ هجوم استراتيجي من اتّجاهات أخرى».
في المقابل، تشير المعلومات إلى أن الجيش الأوكراني، وبدلاً من التحضير لهجوم حاسم في اتّجاهات زابوروجيا تَوقّعه الخبراء سابقاً، اضطرّ إلى نقل الألوية على عجل إلى حدود مدينة باخموت التي تشهد قتالاً عنيفاً، وإلى دونتيسك أيضاً. كذلك تُبيّن المعلومات المتداولة على أكثر من قناة مختصَّة بتطوّرات الميدان على «تيلغرام»، أن الجيش الأوكراني، وأمام النقص الكبير في الذخيرة والمدرّعات، لجأ إلى تعديل خططه مرّة أخرى. ومع ذلك، فإن القوّات الأوكرانية تحاول جاهدة إحداث خروقات في أكثر من محور، على رغم الصعوبات اللوجستية والخسائر الكبيرة في الأرواح، وإفشال القوات الروسية محاولات المباغتة الأوكرانية السابقة، وفق وزارة الدفاع الروسية. وبناءً على كلّ هذه المعطيات، يخلص الخبراء العسكريون الروس إلى أن القوّات المسلّحة الأوكرانية مجبَرة على التخلّي عن خطط الهجوم خلال الشهرَين المقبلَين، فيما لدى الجيش الروسي فرصة لاغتنام زمام المبادرة التي خسرها خلال حملة الصيف والخريف. إلّا أنه وفقاً للخبير العسكري، فلاديسلاف شوريجين، فإنه من الصعب أيضاً على القوّات الروسية الهجوم، وذلك يرجع إلى الطقس الممطر والانهيارات الطينية.