طهران | تُعدّ إيران دولة متعدّدة الأعراق، يشكّل الأكراد فيها، بعد الفرس والأتراك، المجموعة العرقيّة الرئيسة الثالثة، أو نحو 10% من إجمالي عدد السكّان، بناءً على التخمين الإحصائي. ويقطنون في المحافظات الغربية الأربع، وهي: كردستان، كرمانشاه، إيلام وأذربيجان الغربية، المتاخمة للمناطق الكردية في تركيا والعراق، ومعظمهم في الأولى والأخيرة من السُّنّة ويعتنقون المذهب الشافعي، فيما الغالبية في محافظتَي كرمانشاه وإيلام، من الشيعة.وتلتقي الجذور التاريخية للأكراد مع تاريخ إيران والإيرانيين، سواء من ناحية الواقع الجغرافي، أو الواقع العرقي والديني، وهم يقولون إنهم من سلالة الميديين الذين أسّسوا الإمبراطورية الإيرانية في القرن السادس قبل الميلاد. وعلى رغم أوجه الاشتراك في الجذور العرقية والتاريخية وبعض الخصائص الثقافية بين الكُرد والعرقيات الإيرانية الأخرى، لكنهم يختلفون عنها بعض الشيء من النواحي الإثنية والمذهبيّة واللغوية. وقد مهّد التئام هذه الخصائص الثلاث (المذهب واللغة والإثنية) التي تمثّل عناصر التمايز لدى الأكراد، في مقابل منشأ القوّة الجاذبة بين أجزاء المساحات التي يقطنونها في الشرق الأوسط، للأزمات المستديمة في المنطقة. وعليه، فإن البحث في الهوية القوميّة لأكراد إيران، يبدو أكثر بروزاً ولفتاً للأنظار، ولا سيما أنه أدّى، في التاريخ الإيراني المعاصر، إلى اندلاع صراعات بينهم وبين الحكومة المركزيّة.
وتُظهر الأُسس الهوياتية الكردية وأداؤهم السياسي، على مدى الأعوام المئة الأخيرة، نوعَين من النزاعات السياسية في المناطق الكردية الإيرانية:
1- النزاعات داخل الإثنية، والمبنيّة على نَيْل السلطة أو المنافَسة بين الطوائف الكردية المختلفة.
2- النزاعات خارج الإثنية، والمبنيّة في الغالب على إقامة الحكم الذاتي، أو الاستقلال.
فالانتماء إلى الهوية الإثنية، ليس متساوياً في جميع المناطق الكردية الإيرانية، إذ تزداد نسبته لدى الأكراد السُّنّة، بينما يؤشّر انخفاضها لدى الأكراد الشيعة، إلى الدور «العازل» للمذهب. ويعرّف هؤلاء الأخيرون هويتهم الإثنية ضمن الهوية الوطنية الإيرانية، فيما يتّسم الانتماء الإثني بين الأكراد السُّنّة، بخصوصيّة سياسية واضحة، ويشكّل أحد أهمّ مطالب الحركة القوميّة في كردستان.
غالبية المناطق التي يقطنها أكراد إيران، محرومة إنمائياً


ويذهب الكثير من المراقبين إلى أن غياب التنمية يمثّل أحد العوامل المساهِمة في تعزيز الهوية الإثنية للأكراد في إيران، بالنظر إلى أن غالبية المناطق التي يقطنونها هي مناطق محرومة، ما يزيد الشعور بالتمييز بأبعاده السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية. وعلى رغم تنفيذ خطط تنموية، إلا أن مسارها وحيثياتها في معظم المناطق الكردية، واجها مشاكل من نواحٍ مختلفة، مقارنة بباقي المناطق الإيرانية. ففي القطاع الاقتصادي، مثلاً، يمكن إيراد مشكلات البطالة، البطالة المقنّعة، التهريب وخروج الرساميل الاقتصادية - الإنسانية المحليّة من المناطق الإثنية؛ وفي القطاع الاجتماعي - الثقافي، ثمّة قضايا، مِن مِثل الأميّة، شبه الأميّة، قلّة التعليم وتداعي القطاع الصحي خاصّة في المناطق الريفية، والتطوّرات القيميّة، وتقويض الرساميل الاجتماعية؛ وفي القطاع السياسي، غلبة الرؤية الأمنية والسياسية في المناطق الكردية...
ومع دخول إيران عصْر الحداثة والعصرنة، منذ نحو 150 عاماً فتالياً، تبلور تيار قومي، إنْ بين المثقّفين أو بين السياسيين في المركز. وهو تيار كان يسعى، من خلال التركيز على العناصر والمعالم الثقافية القديمة واللغة الفارسية، لبناء دولة - شعب حديث. بيدَ أن التعدديّة الإثنية والمذهبية حالت دون تحقُّق ذلك، ما وفّر أرضيّة بروز نزاع وصراع بين الحكومة المركزية والإثنيات الموجودة. وفي هذا الخضمّ، فإن الأكراد، وبسبب جسامة الهوية الإثنية لديهم، كانت لهم الحصّة الكبرى من هذا الصراع طيلة التاريخ الإيراني المعاصر.
وبشكل عام، يمكن تقسيم تاريخ الحركات الكردية إلى خمس حِقَب عامّة: الأولى، تعود إلى حركة عام 1880، بقيادة الشيخ عبيدالله شمذيناني، والتي كانت تتميّز، قبل كلّ شيء، بطابع ديني، وتطالب بالحريّة الدينية. والثانية، تتمثّل في حركة الحكم الذاتي، بقيادة إسماعيل اقا سمكو، والتي تشكَّلت خلال عامَي 1920 و1926، عقب تصاعد المطالب المنادية باستقلال الشعوب ما بعد الحرب العالمية الأولى، لكنها قُمعت في النهاية على يد الحكومة. والثالثة، تتمثّل في الحركة المطالِبة بالاستقلال، بقيادة قاضي محمد، خلال عامَي 1945 و1946، والتي نشأت متأثّرة بالاضطرابات الناجمة عن الحرب العالمية الثانية ونفوذ الأفكار الماركسية. وكان تشكيل «جمهورية مهاباد»، حصيلة هذه الحركة المنادية بالاستقلال، لكنّه تمّ قمعها وإبادتها من قِبَل الحكومة باعتبارها حركة انفصالية. والحقبة الرابعة، تعود إلى أعوام 1979 إلى 1989، أي الأعوام التي تلت انتصار الثورة الإسلامية، إذ ولدت، خلال هذه الفترة، حركة الحكم الذاتي، بقيادة عبد الرحمن قاسملو، في المناطق الكردية، لكنّها دخلت في تحدٍّ مع الحكومة المتشكّلة في أعقاب الثورة، وأسفرت عن اندلاع اضطرابات في المناطق الكردية الإيرانية. والحقبة الخامسة متعلّقة بالأعوام الأخيرة التي تشهد صراع المجموعات الكردية، بما فيها «الحزب الديموقراطي» و«كوملة» و«بيجاك»، مع الحكومة المركزية، علماً أن قادة تلك المجموعات يقيمون خارج البلاد. على أن مطالب الأحزاب الكردية في الوقت الراهن، ليست شفّافة، وتنحو نحو الدعوة إلى الاستقلال والحكم الذاتي، كما ينطوي أداؤها على طيف من المواجهة المدنية كما العسكرية.
ولعلّ إحدى أهمّ خصوصيّات الحركات الكردية المختلفة في إيران، محاربتها الحكومة المركزية، والتشديد على هويّتها، سواء في هيئة الحكم الذاتي، أو الاستقلال. وكلّما كانت الحكومة المركزية في إيران تتمتّع بقوّة أكبر، استطاعت بسْط سلطتها السياسية على مجمل المناطق؛ وعلى العكس، كلما تضاءلت قوّتها، دفع ذلك الإثنيات المختلفة في أقاصي المناطق الإيرانية، بما فيها الكردية، إلى التمرّد.