موسكو | لم تتأخّر روسيا في الردّ على التفجير الذي استهدَف جسر القرم. ففي رسالة تحذيريّة إلى أوكرانيا التي اتّهمتها بالتخطيط للهجوم وتنفيذه، ضربت موسكو العاصمة كييف ومدناً أخرى، مستهدفةً هذه المرّة البنية التحتية الأوكرانية. في هذا الوقت، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن قواتها تمكّنت من تحقيق الأهداف التي حُدِّدت لضرباتها المكثّفة في أوكرانيا، مشيرةً إلى أن صواريخ عالية الدقة بعيدة المدى استُخدمت في ضرْب مواقع القيادة العسكرية وأنظمة الاتصالات والطاقة في أوكرانيا. وتفيد المعلومات المتداوَلة بأن القصف الروسي أَلحق أضراراً بالغة بالبنية التحتية في كييف وغيرها من المدن الأوكرانية، حيث انقطعت الكهرباء والمياه والإنترنت، وهو ما أكده الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، بقوله إن «الضربات الجوية الروسية اختيرت لإحداث أكبر قَدْرٍ من التدمير».وجاءت هذه الضربات بعد ساعات على توجيه روسيا الاتهام رسميّاً إلى أوكرانيا بالوقوف خلْف تفجير جسر القرم، وتحميلها الاستخبارات الأوكرانية مسؤولية التخطيط لهذا الهجوم وتنفيذه بالاشتراك مع دول أخرى. واستبق الضربات ترؤّسُ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، اجتماعاً مع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن القومي الروسي، حذّر فيه السلطات الأوكرانية من مغبة تكرار «الهجمات الإرهابية» على الأراضي الروسية، مهدّداً بردّ «صارم وقاسٍ على أيّ هجمات إرهابية تطاول الأراضي الروسية». وشبّه بوتين السلطات الأوكرانية بـ«الجماعات الإرهابية»، وهي المرّة الأولى التي يُطلق فيها الرئيس الروسي هذا التوصيف على نظام كييف، والذي يعطي إشارة إلى أن موسكو ستتعامل معه وفق رؤيتها للمجموعات الإرهابية، إذ قال بوتين إن أوكرانيا «وضعت نفسها على قدم المساواة مع أكثر الجماعات الإرهابية الكريهة»، مشيراً إلى أن «النظام في كييف لطالما استَخدم الأساليب الإرهابية، حتى أنه حاول تدمير خطّ أنابيب السيل التركي لنقل الغاز الروسي، علاوة على المحاولات المتكرّرة لتنفيذ هجمات إرهابية على منشآت الطاقة الروسية، بما في ذلك تنفيذ الأجهزة الخاصة الأوكرانية ثلاث هجمات إرهابية ضدّ محطّة الطاقة النووية في مدينة كورسك الروسية». وتحدّث بوتين عن النتائج الأوليّة الصادرة عن رئيس لجنة التحقيق الروسية، ألكسندر باستريكين، الذي أكد أن التخريب الذي طاول جسر القرم يوم السبت الماضي، هو - استناداً إلى البيانات المستمدّة من فحوصات الطبّ الشرعي وغيرها من المعلومات الميدانية - «عمل إرهابي يهدف إلى تدمير البنية التحتية المدنية الحيوية الروسية»، مضيفاً: «من الواضح أن العملاء ومدبّري ومرتكبي العمل الإرهابي يتبعون للأجهزة الخاصة الأوكرانية». وتعليقاً على الضربات الصاروخية، أوضح بوتين أن «إطلاق صواريخ بحرية وبرية طويلة المدى وعالية الدقة صباح اليوم (أمس)، جاء بناءً على اقتراح من وزارة الدفاع، ووفقاً لخطّة هيئة الأركان الروسية، ضدّ مرافق الطاقة والقيادة العسكرية والاتصالات في أوكرانيا»، مؤكداً أنه «إذا ما استمرّت محاولات شنّ هجمات إرهابية على الأراضي الروسية، فستكون ردود روسيا صارمة وتتوافق في نطاقها مع مستوى التهديدات التي تشكّلها هذه الهجمات».
من جهته، قال الناطق الرئاسي، دميتري بيسكوف، إن «الضربات الموجّهة لأوكرانيا مرتبطة بالعملية العسكرية الروسية الخاصة»، مضيفاً أنه «لم يتمّ اتخاذ أيّ قرار بتغيير العملية العسكرية الخاصة أو إعلان حالة الحرب في بعض مناطق روسيا». وأشار إلى أن الرئيس الروسي قد يلتقي نظيره التركي، رجب طيب إردوغان، على هامش اجتماعات ستُعقد في كازاخستان بعد غد الأربعاء، موضحاً أن بوتين يمكن أن يبحث مع إردوغان مقترح إجراء روسيا حواراً مع أربع دول غربية في تركيا. يأتي ذلك بعدما جرى تداول معلومات عن مقترح قدّمته أنقرة إلى واشنطن، لإجراء مفاوضات بين روسيا والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا لبحث الأزمة الأوكرانية. وفي الإطار نفسه، أكد نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، دميتري ميدفيديف، أن الضربات الصاروخية ليست إلا «الحلقة الأولى، وستكون هناك حلقات أخرى»، مشيراً، في تعليق عبر قناته في «تيلغرام»، إلى أن الهدف يجب أن يكون «التفكيك الكامل للنظام السياسي في أوكرانيا».
وبالنظر إلى مجمل ما حدث يوم أمس، يمكن الخروج بخلاصة مفادها بأن روسيا أوصلت رسالة شديدة اللهجة إلى كييف، باستهدافها، للمرّة الأولى منذ بدء الحرب، البنية التحتية الأوكرانية، وفي ذلك دلالة واضحة على أن موسكو لن تتراجع عن الخطوط الحمر التي وضعتها، أي منْع استهداف بنيتها التحتية، إضافة إلى التأكيد أنها لا تزال تمتلك القدرة على المبادرة، بخلاف ما يُشاع. وتأتي التطورات على وقع تعيين وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، الجنرال سيرغي سوروفيكين قائداً للقوات الروسية في أوكرانيا، بعدما كان صاحب هذا المنصب محاطاً بالسرية. ولقي القرار ارتياحاً على المستويين العسكري والسياسي، نظراً إلى مسيرة سوروفيكين الناجحة وسمعته داخل الجيش الروسي. وتعليقاً على ما تَقدّم، عبر الرئيس الشيشاني، رمضان قديروف، عن ارتياحه لتعيين سوروفيكين الذي برأيه «سيصحّح أخطاء العملية العسكرية»، بعدما «أصبحت القوات الروسية الآن في أيدٍ أمينة». من جهتهم، رأى عدد من الخبراء العسكريين أن تعيين سوروفيكين يشكّل تحولاً استراتيجياً يدلّ على أن روسيا ستغيّر استراتيجيها الحربية في أوكرانيا. وفي هذا الإطار، لفت الخبير العسكري، فلاديسلاف شوريغين، إلى أن تعيين سوروفيكين «يأتي في وقت صعب جداً، لكنه الشخص الذي تحتاجه روسيا لقيادة العمليات، وهو القادر على التعامل مع التطوّرات الحاصلة». وبحسب شوريغين، فإن «الوضع في الميدان سيتغيّر في المرحلة المقبلة لمصلحة روسيا، وذلك بعد انضمام المجنّدين في التعبئة الجزئية إلى القوات، وهو ما سيمنح القوات الروسية زيادة عددية كبيرة، إضافة إلى تعيين قائد للعمليات. وهذا يعني أن القرارات ستكون مباشرة من أرض الميدان، من دون الحاجة للعودة إلى موسكو».
حذّر بوتين كييف من أن ردّ روسيا سيكون قاسياً إذا ما استمرّت محاولاتها الإرهابية على الأراضي الروسية


على أن المستجدّ الإضافي الذي دخل على خطّ الأزمة، إعلان الرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، اتفاقه مع نظيره الروسي على نشر مجموعة إقليمية مشتركة من القوات في بيلاروس والتي بدأ تشكيلها بالفعل. وحذّر لوكاشينكو أوكرانيا من التعرّض لبلاده، كاشفاً أن بيلاروس تلقّت، عبر قنوات غير رسمية، تحذيرات من إمكانية تعرّضها لهجوم انطلاقاً من الأراضي الأوكرانية. كما كشف عن «قيام بعض الدول بتدريب مقاتلين من العناصر المعارضة المتشدّدة من بين الراديكاليين البيلاروسيين لتنفيذ هجمات إرهابية في بيلاروس». إلى ذلك، أعلن رئيس لجنة حرس الحدود في بيلاروس، أناتولي لابو، أن القوات الأوكرانية فجّرت جميع الجسور بين أوكرانيا وبيلاروس، ولغّمت الطرق على الحدود معها، لافتاً، في تصريحات نقلتها وكالة «إنترفاكس»، إلى أن الوضع في الاتجاه الجنوبي صعب، حيث تقترب وحدات الدفاع الإقليمية الأوكرانية من الحدود، وتستفزّ حرس الحدود البيلاروسيين.