سرعان ما تبدَّدت الآمال في قرْبِ إحياء الاتفاق النووي الإيراني، على رغم التفاؤل الذي أظهره الأطراف الضالعون في عملية التفاوض، قبل إبداء الولايات المتحدة ملاحظاتها على الردّ الإيراني المُقدَّم إلى الاتحاد الأوروبي، واعتباره «غير بنّاء». ويبدو أن ثمّة مسائل كثيرة، تَبرز في مقدِّمها القضايا الخلافية مع «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، لا تزال عالقة، فيما جاء إعلان الجانب الأوروبي أن الاتفاق «في خطر»، ليكرّس المأزق الذي بلغته المفاوضات. وكانت الجمهورية الإسلامية قد أكدت، أوّل من أمس، أنها لم تتلقّ بعد الردّ الأميركي على ملاحظات تقدَّمت بها، الأسبوع الماضي، في شأن صيغة التسوية التي اقترحها الاتحاد الأوروبي لإحياء الاتفاق النووي. وأكد الناطق باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، أن بلاده «تعمل بمسؤولية وجدّية لتهيئة الظروف لإنجاز الاتفاق»، الذي يبقى «رهن إرادة الطرف الآخر وجديّته». وإذ كرّر أن رفْع العقوبات والانتفاع الاقتصادي من الاتفاق هما هدفان رئيسيّان لإيران، أشار كنعاني إلى أن ما تسعى إليه بلاده هو عدم إبقاء «أيّ غموض» يمكن استغلاله لاحقاً في نصّ الصفقة، فيما لا تزال مسألة الضمانات «تحظى بأهميّة قصوى» لضمان استمرار الاتفاق وعدم تكرار ما حصل في عام 2018.وكرَّرت إيران، في الآونة الأخيرة، مطلبها بأن تُقفِل «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» ملفّ المواقع الإيرانية الثلاثة التي يُشتبه في أنها شهدت أنشطة نووية غير مصرّح عنها، وهو ما طالب وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، أخيراً، بـ«تعزيزه في النصّ»، داعياً إلى أن «تتخلّى الوكالة عن سلوكها المسيَّس، وأن تركّز فقط على مهامّها والمسؤولية الفنيّة الموكلة إليها». مع هذا، تسعى إيران، بخلاف الجانب الأوروبي، إلى إبداء قدْرٍ من التفاؤل جرى التعبير عنه في إعلان الناطق الحكومي، علي بهادري جهرمي، يوم أمس، استمرار المفاوضات، ودعوته الولايات المتحدة إلى ترْك مطالبها «المفرطة». ولفت جهرمي، في الوقت ذاته، إلى أن بلاده تتابع أربعة مواضيع في المفاوضات النووية، تشمل: الضمانات، ورفع العقوبات، والتحقّق من ذلك، وإغلاق «المزاعم السياسية» حول قضايا اتفاق الضمانات مع «الوكالة الذرية». وفيما تقول واشنطن إن طهران قدَّمت تنازلات كبيرة وتخلّت خصوصاً عن مطلبها منْع بعض عمليات التفتيش من قِبَل الوكالة، إلّا أن هذه المسألة لا تزال تشكّل حساسيّة شديدة لدى الجانبَين.
كرَّرت إيران مطلبها بأن تُقفِل «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» ملفّ المواقع الإيرانية الثلاثة


ولعلّ أوضح تعبير عن تراجع التوقّعات بقرْب إحياء الاتفاق النووي، جاء على لسان كبير منسّقي المفاوضات النووية، وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، الذي انتقد، أوّل من أمس، الردّ الإيراني الأخير على ردود أميركية سابقة تخصّ المسودة النهائية التي عرضها الاتحاد على الطرفَين في 8 آب الماضي. وقال بوريل إن «آخر إجابة حصلت عليها (من إيران)، إذا كان الهدف منها هو التوصّل السريع إلى اتفاق، فلن يساعد ذلك»، مضيفاً: «يؤسفني أن أقول إن ثقتي تراجعت عمّا قبل 48 ساعة في شأن تقارب وجهات النظر، وإمكانية إبرام الاتفاق الآن»، مشيراً إلى أن الجهود المبذولة للتوصّل إلى صفقة جديدة باتت «في خطر» بعدما تباعَد الموقفان الأميركي والإيراني في الأيام الأخيرة. وأوضح أنه «في لحظة معيّنة، تتمثّل مسؤوليتي كمنسّق في أن أقول: هذا يكفي، هذا هو النصّ الأكثر توازناً الذي يمكنني عرضه مع مراعاة جميع الآراء». لكن هذه التصريحات لم تعجب الجانب الإيراني الذي ردّ في تغريدة لمستشار وفده المفاوض، محمد مرندي، رأى فيها أن «بوريل حليف للولايات المتحدة، وينسى أن سبب هذه المفاوضات هو الانتهاكات الغربية لخطّة العمل الشاملة المشتركة، والعقوبات المفروضة بموجب الضغوط القصوى التي تستهدف المواطنين الإيرانيين، حتى في الوقت الذي كانت فيه إيران في حالة امتثال كاملة» للاتفاق.
في هذا الوقت، حذّر رئيس الهيئة العامة لأركان القوات المسلحة الإيرانية، الجنرال محمد باقري، الولايات المتحدة من الاستمرار في تسيير مسيّراتها البحرية في مياه المنطقة، متوعّداً بأن القوات المسلحة الإيرانية «ستتصدّى لها». واتّهم باقري واشنطن بالسعي إلى «التعويض عن خفض قواتها في الشرق الأوسط بطُرق أخرى، ومن خلال وحدات عسكرية جديدة»، قائلاً إنها «تخاطر بأمن الملاحة في المنطقة من خلال المسيّرات البحرية التجسّسية غير المأهولة». وأكد باقري «(أننا) لن نتحمّل وجود هذه المسيّرات في طريق سفننا، وسنتصدّى لها»، مشيراً إلى أن بلاده تتابع المسألة عبر رفع دعوى إلى «منظّمة الملاحة الدولية»، واعتماد الطرق الدبلوماسية. وكانت بحرية الجيش الإيراني قد أعلنت، يوم الجمعة الماضي، أنها احتجزت سفينتَي «تجسّس» أميركيتَين (مسيّرتَين بحريّتَين) في مياه البحر الأحمر قبل الإفراج عنهما لاحقاً، وتوجيه تحذيرات إلى البحرية الأميركية بعدم تكرار هذه الأفعال، التي قال الإيرانيون إنها «تُعرّض أمن الملاحة للخطر».