موسكو | كثّفت القوات الروسية عملياتها ضدّ القوات الأوكرانية على عدّة جبهات في «جمهورية دونيتسك الشعبية»، من أوغليدار إلى سيفيرسكيدونيتس وسيفيرسك. ومع تواصل الضربات الروسية، أُفيد، وفق معلومات حصلت عليها «الأخبار»، بأن القوات الأوكرانية سلّمت العديد من مواقعها التي كانت لا تزال تُرابط فيها منذ عام 2014 - تاريخ اندلاع الأزمة وضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم -، على طول هلال إقليم دونباس، تزامناً مع التقدُّم الروسي النشط على محور سوليدار - باخموت. وتُظهر خرائط مواقع تلك القوات أن المعارك تدور في محيط مدينة سوليدار، حيث يحاول الروس دخول قلْب المدينة من شرقها، فيما يشهد الاتجاه الجنوبي الشرقي مواجهات عنيفة. وتمكّنت القوات الروسية من السيطرة على محطّة أوغليغورسك الكهروذرية ونوفولوغانسك، مع تركيزها هجومها على منطقتَي سيميغوري وكوديما اللتين فرّت حاميتهما، في حين أعلن الأوكران إرسال قوات احتياط، في محاولة منهم للحفاظ على خطّ الدفاع المتصدّع، وتأجيل سقوط جنوب باخموت بيد الروس.وترتبط هذه التطورات ارتباطاً مباشراً بالهجوم الأوكراني المضادّ على مقاطعة خيرسون الخاضعة للسيطرة الروسية، حيث أرسلت القوات الأوكرانية كلّ ما لديها من آليات ومعدات عسكرية وقتالية إلى مناطق الجنوب، في مسعًى منها إلى وقْف تقدُّم القوات الروسية على محاور خيرسون، وإعادتها إلى الضفة الشرقية لنهر الدنيبر. وجاء ذلك على رغم النقص الحادّ في المؤن العسكرية الذي تعانيه القوات الأوكرانية على جبهات دونباس، حيث أفاد مراقبون عسكريون بأن صمود الأوكران لن يطول أمام التقدُّم الروسي، خصوصاً في ظلّ توقّعات بأن يكثّف الجيش الروسي هجومه على كافة محاور هذه المنطقة في الأيّام المقبلة. ومن هنا، يبدو الهجوم الأوكراني على خيرسون خيار الضرورة، على رغم أنه محكوم بالفشل، بالنظر إلى الوقائع الميدانية، حيث يؤكد خبراء روس أن صمود القوات الروسية والحليفة هناك سيمكّنها من استعادة زمام المبادرة، والتحوُّل إلى مرحلة الهجوم المضادّ، على غرار ما شهده هلال كورسك أيّام الحربَين الوطنية العظمى، والعالمية الثانية، في عام 1943. وتتعرّض القوات الأوكرانية المهاجِمة لضربات مكثّفة من سلاح الجو الروسي، بعدما انكشفت تشكيلاتها في السهول المحيطة بنهر الدنيبر. ويرى خبراء عسكريون أن الهجوم الأوكراني يشكّل فرصة لكشْف ما حشدته كييف لهذه الجبهة وتهشيمه، ومن ثمّ إطلاق عملية معاكسة لن تتوقّف عند حدود الضفة الغربية لنهر الدنيبر.
على أن الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، لم يترك لنفسه خياراً سوى البدء بالهجوم على خيرسون، ومحاولة تغيير الوقائع في تلك المنطقة، حيث ما زالت خطوط الإمداد الغربية شغّالة. وتسعى كييف، ومِن خَلفها القوى الغربية، من خلال تسخين جبهتَي خيرسون وميكولايف، وتوتير الوضع في «جمهورية ترانسنيستريا» المعلَنة من جانب واحد في مولدوفا، إلى استفزاز روسيا للقيام بردّ فعل عسكري واستخدام القوّة لحماية «قوات حفظ السلام» في ترانسنيستريا، المعزولة حالياً تماماً عن الإمدادات الروسية، والتي قد تصبح هدفاً سهلاً للقوى المعادية لموسكو. وتُضاف إلى مشهد التوتّر المتصاعد هذا، مؤشّرات إلى تجهيز ماكينة الإعلام الغربية للترويج لـ«العدوان الروسي» المرتقب هناك، إلّا أن القيادة الروسية، بحسب خبراء مطلعين، لا ترى مصلحة حالية في توسيع دائرة الصراع، وإدخال مولدوفا طرفاً إضافيّاً فيه، وذلك لعدّة أسباب؛ فالمعركة الأساسية تدور رحاها على خطّ الدفاع الأوكراني البديل الثاني في دونباس، حيث تسعى القوات الروسية إلى تحقيق خرْق في محور كراماتورسك، ما يمكّنها من القضاء على مصادر النيران الأوكرانية التي تستهدف دونيتسك. عموماً، أصبح استكمال عملية السيطرة على كامل إقليم دونباس من خلال السيطرة على دونيتسك، في طوْره المتقدِّم، ولم يَعُد يوجد ما يمنع تحقيق الهدف المذكور، خصوصاً أن زمام المبادرة بات بيد القوات الروسية. كما أن قدرة الغرب على إمداد جبهات عمق دونباس بالمؤن والقوات الاحتياطية البديلة والذخائر والسلاح، أضحت ضعيفة، ولا ترقى إلى مستوى الإمدادات السابقة. وبذا، أصبحت قيادة الأركان الأوكرانية غير قادرة على تغيير موازين القوى، قبل نهاية الصيف، كما يؤمل منها.
لا تستبعد موسكو فشل اتفاق الحبوب مع أوكرانيا، في حال عدم بدء تصدير المنتجات الروسية


من جانب آخر، رأى وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أن هناك حاجة للتركيز على وقْف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا، وذلك بعد إبرام اتفاق صادرات الحبوب الأسبوع الماضي بين الجانبين، معتبراً أن النجاح في تنفيذ هذا الاتفاق من شأنه أن يسفر عن ثقة بين البلدين، ويمكن أن يمهّد الطريق لحلٍّ ديبلوماسي للصراع. وفي الإطار نفسه توقّع الناطق باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، أن تنطلق السفن المحمَّلة بالحبوب، بموجب اتفاق إسطنبول، في غضون أسبوعين، في وقت بدأ العمل في مركز تنسيق تصدير الحبوب من أوكرانيا عبر الممرّ الآمن في البحر الأسود في إسطنبول بإدارة مشتركة من تركيا وروسيا وأوكرانيا والأمم المتحدة. لكن نائب وزير الخارجية الروسي، أندريه رودينكو، لم يستبعد فشل اتفاق الحبوب، إذا لم يتمّ فوراً رفْع العقوبات التي تعيق تصدير المنتجات الزراعية الروسية، مشدداً على أنه يجب أن ينطلق التصدير من روسيا وأوكرانيا بشكل متزامن. أيضاً، اعتبرت وزارة الخارجية الروسية أن الحديث عن تنفيذ اتفاق شحن الحبوب ما زال مبكراً، لافتة إلى أن الأطراف تُواصل التحضير للآليات اللازمة لتطبيقه.