البقعة المنسيّة: أفغانستان تُكافح بصمت
التحدّيات الداخلية
منذ أن استولت «طالبان» على السلطة في أفغانستان خلال العام الماضي، تسارعت دعوات الكثير من الدول إليها، بما فيها تلك الجارة، إلى تشكيل حكومة ذات قاعدة عريضة تضمّ جميع العرقيّات في هذا البلد. وسبق لأطراف عديدة أن حاولت، في خلال مكافحة الحركة للعودة إلى الحُكم بعد تجربة أولى غير موفّقة، تليين الأيديولوجية «الطالبانية» المتطرّفة، وإكساب الجماعة تكتيكات الديبلوماسية والتفاوض، بيد أن واقع الحال اليوم يشير إلى أن التفكير العرقي - الطائفي، لا يزال سارياً بقوّة، فيما تتواصل المساعي الخارجية لإقناع «طالبان» بتقليص سياساتها الإقصائية تلك، من دون أن تؤتي ثمارها إلى الآن. وإذ تُحاول الحركة، التي لم تكن في يوم من الأيام قوّة شاملة البتّة (ظلّت قيادتها حتى الأمس القريب متمركزة في كويتة وبيشاور، ومكتبها السياسي في الدوحة، وتُدار على يد عرقيّة البشتون)، بالفعل، توحيد مختلف مكوّنات الشعب الأفغاني خلفها، فإن إحدى أكبر العقبات التي تعترض طريقها هذا، هي إقناع عِرقية الهزارة الشيعية، التي تشكّل نحو خُمس سكّان البلاد، بشغل حيّز في النظام الجديد، بعدما عملت، خلال السنوات الأخيرة، على تجنيد أعضاء من المجموعات العرقية الأخرى بما فيها الطاجيك والأوزبك.
وهكذا، يبدو أن «طالبان» تسعى، بالاعتبار من تجربتها السابقة الفاشلة، إلى إظهار نفسها كحركة وطنية شاملة، إلّا أنها لم تفلح حتى الآن في إيجاد آصرة مع عرقية الهزارة وإدخالها بيت الطاعة، وذلك بسبب العداء التاريخي بين الجانبَين، والذي يعود إلى القرن التاسع عشر، وازداد عمقاً على مرّ السنين. ومع إدراك الحركة أن استمرار هذا العداء سيمسّ بشرعيتها، فهي عملت على استرضاء أبناء هذه الأقلّية، من خلال تعيين مولوي مهدي (الشيعي المتحدّر من الهزارة) رئيساً لاستخبارات مقاطعة باميان. لكن هذا الإجراء لم يثبت نجاحاً، إذ سرعان ما برزت خلافات أدّت إلى تنحية مهدي من منصبه، في ما أوصل رسالة بأن «طالبان» ليست مستعدّة بعد لاستيعاب الشيعة والترحيب بهم مواطنين في دولتها. ولذا، فإن مخاوف هؤلاء من التمييز الممنهج ضدّهم لا تزال بارزة.
التحدّيات الخارجیة
مع اقتراب «طالبان» من إتمام عام كامل لها في السلطة، لا تزال الحركة تخضع لضغوط دولية، بدعوى عدم كفاءتها وعجزها عن إرساء الاستقرار، وهو ما من شأنه مفاقمة الأزمات الإنسانية التي تعيشها أفغانستان، بسبب حجب المساعدات والدعم المالي عن البلاد. وعلى رغم محاولة «طالبان» فتح خطوط تواصل مع الأطراف الخارجية كافة، إلّا أن الأسرتَين الإقليمية والدولية لا تزالان تبديان حذراً وتردّداً في الاعتراف بحُكمها، الأمر الذي يُضاعف مخاوف الحركة من انهيار السلطة. ولعلّ هذا الخوف تجلّى بوضوح في المادة الـ10 من البيان الختامي للملتقى آنف الذكر، حيث جرت الدعوة إلى «تعزيز الوحدة أكثر ممّا هي عليه الآن»، في ما يؤشّر إلى القلق من سقوط الحكومة الفتيّة، بسبب عجزها خلال هذه الفترة القصيرة عن إدارة شؤون البلاد، إضافة إلى إجراءاتها التصعيدية على الحدود، وممارستها الضغوط على النساء والأقلّيات العرقية. ومن هنا، تبدو «طالبان» أمام تحدّي تحسين أدائها، بما يشمل تنفيذ الالتزامات التي تعهّدت بها، والتعاون مع الأطراف المعنيّة بالوضع في أفغانستان، فضلاً عن الاعتراف رسمياً بجميع الأعراق.
*باحثة في «مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية» في طهران