لندن | في خطوة متوقّعة، أيّد الرئيس الفنلندي، ساولي نينيستو، ورئيسة الوزراء، سانا مارين، رسمياً، صباح أمس، في بيان مشترك، فكرة انضمام بلدهما إلى «حلف شمال الأطلسي»، والتي كانت قد طرحتها لجنة الدفاع في البرلمان، في وقت سابق من هذا الأسبوع. واعتُبر الإعلان بمثابة خطوة تاريخية ستمهّد الطريق أمام الشروع في إتمام الإجراءات البيروقراطيّة لنيل فنلندا عضوية الحلف، الذي تقوده الولايات المتحدة. ومن المتوقّع أن يعلن «الحزب الاشتراكي الديموقراطي»، بزعامة مارين، موقفه في نهاية الأسبوع الحالي، توازياً مع الإعلان المتوقّع الأحد أيضاً، من بقيّة أعضاء الائتلاف الحكومي الحاكم المكوّن من خمسة أحزاب. وإذا وافقت جميع مكوّنات الحكومة على الخطوة، فسيجتمع البرلمان لمباركتها رسمياً، بينما قد تتقدّم فنلندا بطلب رسمي للانضمام إلى «الناتو»، خلال الأسبوع المقبل. وستكون تلك لحظة جيوسياسية هائلة، سواء بالنسبة إلى فنلندا - وهي دولة يبلغ عدد سكانها 5.5 ملايين نسمة تشترك في حدودٍ طولها 1340 كيلومتراً مع روسيا - أو بالنسبة إلى «الأطلسي»، الذي لا يفتأ يمدّد من طول الحدود البريّة الفاصلة بين جنوده والجيش الروسي. وبالتي، فإنّ هذه اللحظة ستشكّل تحدّياً استراتيجياً كبيراً بالنسبة إلى موسكو، التي تخوض حرباً في أوكرانيا، وتحديداً لمنع تمدّد «الناتو» نحو عتبتها الغربيّة، في حال انضمام كييف إلى عضويته. وكانت فنلندا قد أمضت معظم الوقت، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، في محاولةٍ لتحقيق توازنٍ في العلاقات السياسية بين الشرق والغرب. ولطالما نظر زعماؤها إلى مسألة عضوية «الناتو» على أنها استفزازٌ غير ضروري لجارتها القريبة، روسيا. إلّا أن ضغوط واشنطن وبروكسل، الكثيفة، منذ بدء العملية العسكرية الروسيّة في أوكرانيا (24 شباط الماضي)، كما التهويل الإعلامي المكثّف حول طموح نظام الرئيس فلاديمير بوتين إلى استعادة أمجاد الاتحاد السوفياتي السابق، دفعت على ما يبدو، أغلبيّة في البلاد، إلى تحوّلٍ نوعي نحو قبول مظلّة الحماية العسكريّة التي توفرها العضويّة في «الأطلسي». وبحسب استطلاعات للرأي جرت، أخيراً، فإنّ 76 في المئة من الفنلنديين يؤيّدون، الآن، مبدأ انضمام بلادهم إلى الحلف الغربي، مقارنة بحوالي 20 في المئة فقط، قبل عام. وقال النائب في البرلمان الفنلندي، نيلز تورفالدز، للصحافيين تعليقاً على بيان نينيستو - مارين، إن بلاده تبدو، بالفعل، كأنها عضو في «الحلف»، وإن لم تكتسب صفة العضوية رسمياً، وذلك «بفضل التعاون الوثيق مع الولايات المتحدة والأصدقاء الغربيين». لذا، فإن خطوة الحكومة ستكون «مجرّد مرحلة طبيعية تالية»، ينبغي أن يقلّل الطرفان من العقبات التي قد تؤخّرها. ويحتاج تصديق العضويّة إلى موافقة جميع الدول الأعضاء في الحلف - وعددها ثلاثون -، وهو إجراء شكلي غالباً، لكنه سيستغرق بعض الوقت.
وخلال الأيام الماضية، شهدت هيلسنكي موجة نشاط دبلوماسي وأمني على أعلى المستويات، سعياً إلى طمأنتها بشأن الدعم العسكري، في حال تعرّضها لهجوم روسي، في فترة «المنطقة الرمادية» بين تقديم طلب الانضمام إلى الحلف واكتساب العضوية كاملة. وقدّم رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، تطمينات رسمية إلى فنلندا - وإلى السويد التي تقترب من الخطوة الفنلنديّة - بتوفير حماية للأراضي الفنلنديّة، ضدّ أيّ غزو محتمل، واعداً أيضاً بالتفكير في استخدام الأسلحة النووية، إن تطلّب الأمر. ومن المرجّح أن تكون النروج والدنمارك وأيسلندا، الأعضاء في «الناتو»، قد قدّمت تعهّدات مماثلة. في المقابل، انتشر كبار الوزراء الفنلنديين (والسويديين) في عدد من العواصم الغربية، بما في ذلك برلين وواشنطن وأوتاوا، للحصول على ضمانات عسكرية، ووعود بتسريع عملية المصادقة على طلبات العضوية، عند تقديمها.
دائماً ما سعت فنلندا إلى تحقيق توازنٍ في العلاقات بين الشرق والغرب


في هذه الأثناء، وفي مكان غير بعيد عن هيلسنكي، وتحديداً في العاصمة السويدية، ستوكهولم، أعلن متحدّث باسم «الحزب الاشتراكي الديموقراطي» الحاكم، أن الحزب سيصرّح عن موقفه من مسألة العضوية في «الناتو»، في نهاية هذا الأسبوع. وعلى الرغم من أن الدعم الشعبي لمبدأ الانضمام إلى التحالف، يبدو أقلّ منه في فنلندا، إلّا أن المعلومات المتداولة تفيد بأن الأميركيين يتوقّعون أن يقدّم البلدان الإسكندنافيان - السويد وفنلندا - طلبات عضوية «الناتو»، في وقت واحد. ومن المقرّر أن يصل الرئيس الفنلندي، نينيستو، إلى ستوكهولم، في زيارة رسمية، يوم الثلاثاء، لشدّ أزر الساسة السويديين.
ويأتي هذا التحدّي العلني لموسكو، في إطار سياسة توسيع جبهة المواجهة الدائرة بين روسيا والولايات المتحدة، وفق استراتيجية «الناتو» التي أقرّها الأعضاء في اجتماعهم على مستوى الوزراء، في نيسان الماضي، في مقرّ الحلف في بروكسل. وكانت مقرّرات القمّة، التي لم يجر تداولها إعلامياً، تتعلّق أساساً، وفق تصريحات عددٍ من المشاركين، بالتوافق على خططٍ للضغط على روسيا في عدّة جبهات، في وقت متزامن.
وهي خطط لا يبدو أنها تنتهي عند هذا الحدّ، إذ أدلى الرئيس الفنلندي، ورئيسة الوزراء، ببيانهما المشترك الآنف الذكر، من طوكيو، حيث تُعقد قمّة أوروبية - يابانية، دفع في اتجاهها الأميركيون، سعياً إلى تدعيم موقف اليابان، كجزء من التحالف المعادي لروسيا، وحليفتها غير الرسمية الصين. وتعهّد الجانبان، في وقت مبكر من صباح أمس، بحضور رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، بمزيدٍ من التعاون ضدّ موسكو. وممّا عُرف من مداولات القمّة، أن الاتحاد الأوروبي يريد دعم اليابان بشأن أوكرانيا، بما في ذلك معالجة المترتّبات على أزمة الطاقة المتصاعدة. جاء هذا فيما بدت طوكيو حريصة على انتزاع موقف أكثر صرامة من الاتحاد الأوروبي بشأن الصين، في ما يتعلّق بالديناميكيات السياسية والاقتصادية والأمنية. ويرى الأميركيون، الذين يهيمنون على توجّهات السياسة الخارجية اليابانية، أن عدم الاستقرار العالمي مردّه التضامن الذي تظهره الصين مع روسيا، وهم حريصون على تصوير اليابان على أنها الشريك الحقيقي الوحيد للغرب، في جميع أنحاء منطقة المحيطَين الهندي والهادئ. ولا يستبعد مراقبون أن تسلك طوكيو، قريباً، المسار الألماني في التخلّي عن السياسة الدفاعية التي اتّبعتها منذ استسلامها للاحتلال الأميركي في عام 1945، والانتقال إلى بناء جيشٍ هجومي ضخم مسلّح بأحدث المعدّات.