لندن | حصل الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون (44 سنة)، على ثقة الفرنسيين لتولّي منصب رئاسة الجمهورية لولاية ثانية تمتدّ لخمس سنوات مقبلة، وذلك إثر جولة إعادة تنافس فيها مع مارين لوبان (53 سنة)، زعيمة «حزب الجبهة القومية» اليميني. وذهبت 58.54% من الأصوات لماكرون (حوالى 18.8 مليون فرنسي)، فيما حصلت منافسته على تأييد 41.46% (حوالى 13.3 مليون)، وألقى ما يقارب من 3 ملايين شخص بأوراق بيضاء، فيما أحجم 28% من مجموع الناخبين المسجلين (13.7 مليون) عن الاقتراع، وهو رقم قياسي لم تشهده فرنسا منذ جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية عام 1969.وقد ظهر جلياً، وفق النتائج النهائية، أن الرئيس حصل على تأييد غالبيّة السكان في العاصمة وجميع المدن الفرنسيّة الكبرى: ليل، مرسيليا، بوردو، ليون، نيس، تولوز، ستراسبورغ ونانت، فيما اكتسحت لوبان معظم المناطق الريفيّة والأطراف، لا سيما في الشمال والوسط والجنوب، كما في الممتلكات الفرنسية ما وراء البحار وأوساط فرنسيّي الخارج، في ما يشير إلى تكرّس الاستقطاب بين المراكز الحضريّة والأرياف، وفقدان الثقة المتعاظم بينهما. وقبلت لوبان النتيجة في خطاب ألقته بين أنصارها (ليل الأحد)، قالت فيه إنها تعتبر حصول فريقها على تأييد أكثر من 40% من الناخبين الفرنسيين إنجازاً كبيراً - وهو بالفعل أعلى مستوى تاريخي يحصل عليه مرشّح من اليمين المتطرّف - وإنها ستواصل النضال من أجل توحيد الفرنسيين، في إشارة على ما يبدو إلى التحضّر لمعركة الانتخابات البرلمانية المقبلة التي ستُجرى خلال أقلّ من ستة أسابيع، فيما تعهّد الرئيس المجدَّد له، في خطاب النصر، بالسعي إلى توحيد فرنسا «المنقسمة»، على حدّ تعبيره.
ومع أن بعض المدن الفرنسية شهدت احتجاجات محدودة ومتفرّقة على نتيجة الانتخابات، فإن التجديد لماكرون - بعدما فشل سلفاه فرانسوا هولاند ونيكولا ساركوزي في كسر لعنة الولاية الواحدة - أثار الارتياح لدى النخبة الليبرالية الحاكمة في باريس، ومصالح المصارف والأعمال الكبرى، وأوساط المهاجرين القلقين من توجّهات اليمين الفرنسي المتطرّف في شأنهم، ليتردّد صداها في بروكسل (مقر الاتحاد الأوروبي) أيضاً، كما في واشنطن. وكان المستشار الألماني، أولاف شولتز، أوّل المهنئين من القادة الأجانب، تلاه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، وكذلك الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي غرّد قائلاً: «أتطلّع إلى استمرارية تعاوننا الوثيق، بما في ذلك دعم أوكرانيا، والدفاع عن الديموقراطية، ومكافحة تغيّر المناخ».
وكان كثيرون قد توقّعوا التجديد لماكرون، وهو الذي هزم لوبان بهامش أعلى ممّا كان متصوّراً حتى في الاستطلاعات الأخيرة قبل فتح الصناديق، لكنّه أيضاً حصل على مجموع أقلّ من الذي كان حصل عليه في مواجهة لوبان خلال رئاسيات 2017، حينما حاز ثقة 66% من الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم. ويرى خبراء وأكاديميون أن الصراع الانتخابي لم يُحسم كليّة بعد، إذ يحتاج الرئيس، الآن، إلى ضمان حصول حزبه على الغالبية في الانتخابات التشريعية المقبلة، حتى يتسنّى له تنفيذ برنامجه وتجنّب ما يسميه الفرنسيّون حالة «التعايش» بين رئيس من حزب ورئيس وزراء من حزب آخر، والتي قد يصعب معها تمرير القرارات.
ومع هذا، فإن في مقدور ماكرون التصرّف وكأنّه فعلياً أهمّ زعماء الاتحاد الأوروبي بعدما انسحبت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، من الساحة السياسية، توازياً أيضاً مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتبنّيها سياسة انعزالية عن الإقليم. وسيتيح هذا الفوز لماكرون أيضاً المساحة اللازمة للانخراط في برنامج عريض من المبادرات المناخية الرأسمالية التي يريد تنفيذها سعياً لتحويل فرنسا إلى ما سمّاه «الدولة الرأسمالية الرائدة في العالم مناخياً». وتعهّد، ليلة فوزه، ببناء محطّات نووية جديدة، على رغم أن الحصول على التراخيص اللازمة قد يستغرق فعلياً عدّة سنوات أو أكثر. كما وعد برصْد استثمارات ضخمة في مصادر الطاقة المتجدّدة كالرياح والطاقة الشمسية.
بروكسل، من ناحيتها، تنفّست الصعداء. ونُقل عن رئيسة البرلمان الأوروبي، روبرتا ميتسولا، قولها إن «فوز ماكرون يدعم الطموح بأوروبا لتمنح نفسها الوسائل للعمل». وبالطبع، فإن اقتراح لوبان بتحويل الاتحاد الأوروبي إلى نوع من رابطة للدول كان سيعني أن دولة أساسية ستسعى إلى نهاية عملية لمشروع الاتحاد كما هو الآن، فيما حمل ماكرون أجندة أوروبية تامّة تضمّنت الدعوة إلى إصلاحات جريئة لتعزيز الثقل السياسي لبروكسل من خلال تعزيز موارد الاتحاد الأوروبي الخاصّة، ومنحه الصلاحية لمساءلة العمليّة الديموقراطية لدى الدول الأعضاء، والسماح للبلدان التي ترغب في تحقيق اندماج أكبر في ما بينها، بالتحرّك بشكل أسرع من دون انتظار الآخرين، وربّما تغيير ديناميكية التصويت نحو الغالبيّة بدلاً من الموافقات الجماعيّة التي تستغرق وقتاً طويلاً. بدورها، اطمأنّت واشنطن على وحدة الصف الغربي داخل «الناتو» خلال هذه المرحلة الدقيقة من الصراع مع روسيا عسكرياً (في أوكرانيا)، واقتصادياً عبر نظام شامل من العقوبات تريد فرضه على موسكو ومصالحها حول العالم. وكانت لوبان أقرب سياسياً للحياد في الصراع، إذ اتّهمها ماكرون، صراحةً، خلال مناظرتهما الأخيرة بتعريض مصالح فرنسا للتأثير الروسي.
اختارت فرنسا، إذن، الاستقرار، مفضّلةً إبقاء الأوضاع على حالها. ولكن ذلك أمر لا يعوّل عليه على المديين المتوسّط والطويل، إذ إن أحزاب الوسط (يمينها ويسارها) انقرضت تماماً (الاشتراكي والجمهوري)، بينما ذهبت غالبية الأصوات في الجولة الأولى من الانتخابات، إلى الأحزاب المتطرّفة، حيث شكّلت الكتلة على يمين ماكرون حوالي 30% من الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم، وهي في جولة الإعادة حصلت من خلال مرشحة «الجبهة القومية» على أكثر من 40% من الأصوات، على رغم الهجوم المركّز عليها في شأن العلاقة مع روسيا – فيما حصل اليسار مجموعاً بتلاوينه على أكثر ممّا حصل عليه ماكرون نفسه. وهذه أمور لا تبّشر بالخير لما يمثّله الرئيس الحالي حتى في الانتخابات البرلمانية المقبلة، خصوصاً أن الإحباط الشعبي من العملية الديموقراطية وضحالة الطروحات السياسية للفرقاء، آخذة في التعمّق. وفاق عدد الممتنعين عن التصويت أو الذين أُلغيت أصواتهم الـ16.6 مليون فرنسي، أي إن مَن صوّتوا للفراغ كانوا أكثر عدداً من أولئك الذين وثقوا بلوبان، وأقلّ قليلاً ممَّن صوّتوا لماكرون نفسه، بمن فيهم عدة ملايين من اليساريين الذين اختاروه على مضض، لمنع وصول اليمين المتطرّف إلى السلطة.


سلوفيينيا تطرد اليمين
غير بعيد، في سلوفينيا، مُني رئيس الوزراء اليميني، جانيز يانشا، بهزيمة ثقيلة في الانتخابات البرلمانية التي أجريت أوّل من أمس. وحصل حزب «أخضر وسطي جديد»، أطلق على نفسه «حركة الحرية»، على نحو 33% من الأصوات، وفقاً للجنة الوطنية للانتخابات هناك. ويسيطر على الحزب، رجل أعمال ثري معروف يبدو أنه مدعوم من الغرب، ويناهض يانشا المتّهم بتراجع المعايير الديموقراطية في عهده، وتفشّي الفساد.
(الأخبار)