تقوم تركيا، منذ سنوات، بعمليات عسكرية برّية وجوّية داخل العراق، بمعزل عن الظروف والتوقيت. إلّا أن العملية الجديدة، التي سُمّيت بـ«المخلب - القفل»، والتي بدأها الجيش التركي في شمال البلد الجار، يوم السبت الماضي، ضدّ مراكز لـ«حزب العمّال الكردستاني» في مناطق الزاب ومتينه وأفاشين - باسيان، حظيَت باهتمام العديد من المراقبين داخل تركيا وخارجها. ومن المعروف أن تركيا غالباً ما كانت تقوم بعملياتها في شمال العراق، من دون التنسيق مع القوات الحكومية أو مع قوات «البشمركة» التابعة لإقليم كردستان. ودائماً ما كانت الحكومة العراقية، في المقابل، تكتفي بإصدار بيانات تدين «انتهاك» القوات التركية للسيادة العراقية، فيما تلتزم «البشمركة» الصمت، أو تندّد بخجل. ولكن اللافت، هذه المرّة، كان بيان وزير الدفاع التركي، خلوصي آقار، الذي وصف العراق بأنه «دولة صديقة وأخ»، مضيفاً أن تركيا تحترم وحدة الأراضي العراقية. فضلاً عن ذلك، بدا لافتاً أنّ وزير الدفاع، ورئيس الأركان ياشار غولر، وقادة القوات المسلّحة كافّة، أداروا العملية التي بدأت مباشرة بعد انتهاء زيارة رئيس وزراء إقليم كردستان، مسرور البرزاني، إلى إسطنبول، ولقائه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، علماً أن رئيس الإقليم، نيشروان البرزاني، زار تركيا، في الفترة الأخيرة، أكثر من مرّة، والتقى المسؤولين فيها.وتعليقاً على هذه التطوّرات، يرى الكاتب مراد يتكين أن العملية الجديدة تتميّز بأكثر من خاصية: الأولى، عنصر المفاجأة؛ ذلك أنها تمّت في شهر رمضان، ولم تَصدر مسبقاً أيّ إشارات حول احتمال بدئها، باستثناء تصريحٍ لوزير الداخلية، سليمان صويلو، قال فيه إن «تركيا ستحرّر العراق وسوريا من يد أميركا وأوروبا». كذلك، جاء هذا الهجوم في ظلّ مناورات بحرية تركية واسعة في البحار الأسود وإيجه والمتوسط، بدأت في 11 نيسان وستنتهي اليوم. وتتمثّل الخاصية الثانية، في أنّ العملية تجري في ظلّ انشغال العالم بالحرب في أوكرانيا، والوساطة التي تجريها أنقرة بين موسكو وكييف، والتي تحظى بتقدير الغرب الذي تراجعت نسبياً لغته المعادية لتركيا. أمّا الخاصية الثالثة، فهي أن الهجوم أتى انتقاماً من فشل عملية تركية جرت في الوقت نفسه من العام الماضي، في منطقة غارا في شمال العراق، حيث كان يَحتجز الأكراد أسرى أتراك. وقد سقط للجيش التركي، حينها، 13 قتيلاً، الأمر الذي حدا بإردوغان شخصياً إلى القول إنها «عملية فاشلة».
تَبقى الخاصية الرابعة، وهي أنّ «المخلب - القفل» تهدف إلى إضعاف «حزب العمّال الكردستاني» في شمال العراق، وفي داخل تركيا، ودفعه إلى طلب وقف النار أو الحوار، وإظهاره ضعيفاً، ولا سيّما مع توجيه الاستخبارات التركية ضربات موضعية لعناصره ومسؤوليه في داخل تركيا، عشيّة الانتخابات الرئاسية التي ستجري بعد سنة.
يشير البعض إلى أن العملية تهدف إلى إضعاف «حزب العمّال الكردستاني» في شمال العراق


وتتميّز «المخلب - القفل» بأنها تستهدف، تبعاً لصحيفة «يني شفق» الموالية، السيطرة على منطقة الزاب، ليتمّ بالتالي وصلها مع المناطق الحدودية الأخرى من حدود إيران إلى حدود منطقة سنجار بعمق 30 كيلومتراً داخل العراق، بما يقيم شريطاً أمنياً تحت سيطرة الجيش التركي، على امتداد الحدود. ولا يُعرف كم ستستغرق العملية في الزاب نظراً إلى وعورة المنطقة، فيما يُعتبر دخول منطقة غارا بداية لتوسّعٍ تركي إضافي في العمق العراقي. وبالسيطرة على الزاب، وإنشاء الشريط الأمني التركي، تصبح الحدود، وفقاً للصحيفة، «مقفلة بالكامل» أمام العناصر «الإرهابية». كذلك، ترى «يني شفق» أن العملية الجديدة تستهدف أيضاً توجيه رسالة إلى ميشال إريك كوريللا، قائد القوات المركزية الأميركية في الشرق الأوسط، بعدما اجتمع، أخيراً، مع أحد قادة «حزب العمال الكردستاني»، فرهاد عبدي شاهين. وتقول الصحيفة إن كوريللا معروف بقربه الشديد من «الإرهابيين»، وقد خلف الجنرال كينيث ماكنزي في موقعه، معتبرة أن «العملية رسالة له ولحزب العمال الكردستاني، وامتداده قوات الحماية الكردية في سوريا». من جهته، يشير الخبير في شؤون الإرهاب، ميتيه يارار، إلى أن السيطرة على الزاب ستكون مفتاحاً للسيطرة على منطقة غارا، التي ستكون، بدورها، مفتاحاً للسيطرة لاحقاً على جبال قنديل. ويَعتبر يارار أن سلسلة العمليات التي حملت اسم «المخلب» ستضمن لتركيا أمنها الحدودي.
على الضفّة الأخرى، ترى ميرال بشتاش، رئيسة كتلة «حزب الشعوب الديموقراطية» الكردي في تركيا، أن العملية ليست إلّا «بداية حقبة جديدة من السياسات العسكرية التي تهدف إلى التغطية على الجوع والفقر والبطالة والجرائم»، مضيفة أن «سبب هذه الحرب هو العجز عن حلّ المشكلات الداخلية». وتتّهم بشتاش، أيضاً، «حزب الحركة القومية» بالشراكة في كلّ هذه الجرائم. كما تتوقّف عند محاولات «حزب العدالة والتنمية» إنهاء «حزب الشعوب الديموقراطية»، قائلة إن «الهدف هو منْع إطلاع الشعب على حقائق ما يجري، ولا سيّما التعذيب في السجون وجرائم القتل التي تستهدف النساء». وتدعو النائبة الكردية الدولة التركية إلى وقف الحرب في العراق وسوريا وليبيا وأفغانستان، لأن «الخاسر الأكبر هو المواطن التركي الذي بات يشتري الطماطم بالحبّة، ويقسم البطيخة إلى ستة أجزاء»، متّهمة السلطة بالتنسيق مع تنظيم «داعش»، قائلة: «لا تتوهّموا أنّنا لا نرى ارتباطكم بداعش. كلّ شيء مسموح لعناصر داعش بينما هو محرّم على الأكراد والمعارضين».