موسكو | عادت الكلمة في الحرب الروسية الدائرة في أوكرانيا إلى الميدان، بعدما اصطدمت المساعي الديبلوماسية بحائط مسدود، في ظلّ تراجع كييف عمّا جرى الاتفاق عليه في جولة التفاوض الأخيرة في إسطنبول التركية. عودة روسيا إلى التصعيد على أكثر من جبهة، من بينها كييف ولفيف والأهمّ الدونباس، تُعدّ بمثابة ورقة ضغط من جانب موسكو التي ترى أن كييف فهمت مبادرة حسن النية التي أقدمت عليها بعد جولة المفاوضات الأخيرة، على أنها تراجع. انطلاقاً ممَّا تقدَّم، يرى خبراء روس أن أوكرانيا، ومع كل تصعيد في الميدان، ترضخ وتعود إلى طاولة التفاوض. ويستند هؤلاء في تقديرهم، إلى التحوّل في موقف السلطة الحاكمة بعد تراجع حدّة المعارك، وتحديداً على جبهة كييف، لتعود إلى تصعيد نبرتها السياسية للحصول على شروط أفضل في العملية التفاوضية، وهو ما صعّب المحادثات، مبقياً إيّاها رهينة تبدُّل مزاج كييف.ومع اقتراب حسْم معركة مدينة ماريوبول الساحلية، أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بدء مرحلة جديدة من العملية العسكرية الروسية، موضحاً أن أوكرانيا لم تقدِّر بادرة حسن النية عندما جرى سحب القوات الروسية من ضواحي كييف. من جهته، أكد وزير الدفاع، سيرغي شويغو، أن القوات الروسية تواصل تنفيذ خطة «تحرير أراضي جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك»، متّهماً الولايات المتحدة والدول الغربية بأنها تريد القتال «حتى آخر أوكراني»، ومشيراً إلى أن هذه الأطراف تبذل قصارى جهدها لتأخير العملية الروسية في أوكرانيا.
أكد شويغو أن موسكو تواصل تنفيذ خطة «تحرير أراضي جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك»


ميدانياً، وبعد إعلان الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، عن بدء الهجوم الروسي على إقليم الدونباس شرق البلاد، قال مستشاره، أوليكسي أرستوفيتش، إن الهجوم يسير «بحذر شديد»، موضحاً أن القوات الروسية تحاول اختراق دفاعات الجيش الأوكراني. ولفت أرستوفيتش، في تصريحات تلفزيونية، إلى أن المهمّة الأولى للجيش الروسي، هي الاستيلاء على الأراضي الواقعة على طريق روبيجني وبوباسنايا وسيفيرودونيتسك في إقليم لوغانسك، وفصْلها عن أجزاء أخرى من البلاد؛ فيما تتمحور المهمّة الثانية حول مهاجمة المنطقة الواقعة بين إيزيوم وسلافيانسك وكراماتورسك في منطقة خاركيف شرق البلاد، مبيّناً أن روسيا تسعى إلى السيطرة على منطقة جوليابول في زاباروجيا، وماريوبول. وفي هذا السياق، أعلن سكرتير مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني، أوليكسي دانيلوف، أن الجيش الروسي سيطر على مدينة كريمينا في إقليم الدونباس. وفيما لم يَصدر تأكيد روسي في هذا الخصوص، بيّن خبراء روس أكدوا أن الاستيلاء على كريمينا يُعدّ خرقاً مهماً. ووفق محلّلين، فإن المدينة واحدة من المعاقل الأخيرة للقوات الأوكرانية في الإقليم، والسيطرة عليها ضرورية لجهة تطويق مَن تبقى من القوات الأوكرانية في الدونباس. ويفيد محلّلون عسكريون روس بأن الوجهة المقبلة للقوات الروسية ستكون السيطرة على مدينة إيزيوم التي تشرف على محاور طرق أساسية في الإقليم، ومن شأن السيطرة عليها أن تغلق جميع الطرق أمام القوات الأوكرانية في المنطقة. من جهته، لفت الرئيس السابق لقوات الصواريخ المضادة للطائرات، العقيد الاحتياطي سيرغي خاتيليف، إلى أن العملية في الدونباس لن تكون هجوماً كلاسيكياً، مستبعداً أن تتمكّن هيئة الأركان العامة الأوكرانية من التنبؤ بها. ولفت خاتيليف، في تصريح لصحيفة «فزغلياد»، إلى أن الكلمة العليا في المعركة ستكون للطيران وسلاحَي المدرعات والمدفعية.
وعلى جبهة ماريوبول، وبعد اشتداد الضغط الروسي على القوات الأوكرانية والمرتزقة الأجانب في المدينة، دعت وزارة الدفاع الروسية تلك القوات إلى مغادرة مجمع أزوفستال للصلب شرق المدينة من دون سلاح أو ذخيرة، متعهّدة بضمان حياة مَن يلقي سلاحه. وأعلن الناطق باسم قوات «جمهورية دونيتسك»، إدوارد باسورين، أن الأخيرة بإسناد من القوات الروسية والطيران والمدفعية الحربية، بدأت هجوماً على مصنع آزوفستال في ماريوبول، وهو المعقل الأخير للقوات الأوكرانية المتبقية في هذه المدينة.