بالإضافة إلى ذلك، انخفضت الواردات بشكل حادّ نتيجة العقوبات، إذ جرى حظر واردات السلع التي تُراوح قيمتها ما بين 220 و280 مليار دولار جزئياً، فيما توقّفت السياحة الروسية إلى أوروبا (تعادل 10 إلى 20 مليار دولار)، ولم يَعُد بالإمكان سحب أرباح الأسهم التي تُقدَّر بما بين 150 و160 مليار دولار في السنة. وتتوقّع «بلومبرغ» أن تكسب روسيا ما يقرب من 321 مليار دولار (292 مليار يورو) من صادرات الطاقة في 2022، بزيادة أكثر من الثلث عن العام الماضي، إذا استمرّ عملاؤها الرئيسون، بمن فيهم الاتحاد الأوروبي، في شراء النفط والغاز منها. ووفقاً للمحلّل في «FG Finam»، ألكسندر بوتافين، فإن كلّ ذلك «أدّى إلى تقليل الطلب على العملات الأجنبية في السوق المحلية». وبناءً عليه، يرى بوتافي أنّ «سعر الروبل الآن يعكس توازن العرض والطلب من جانب المشترين والبائعين والمستوردين والمصدّرين». عامل آخر لعب دوراً مهمّاً في تحسُّن الروبل، وهو الصادرات الروسية، الأمر الذي يبيّنه رئيس القسم التحليلي في «زينيت»، فلاديمير إيفستيفيف، بقوله إنه بسبب حجم الصادرات الروسية الكبيرة، «ستستمرّ الشركات الكبرى في تحديد قيمة الروبل، إذ يدخل حوالى 30 مليار دولار من العملات الأجنبية إلى السوق شهرياً من المصدّرين، وهو ما يمثّل أكثر من 65% من حجم التداول بالدولار واليورو في بورصة موسكو».
وصل الروبل مقابل الدولار واليورو إلى مستويات ما قبل الحرب في أوكرانيا
وعلى رغم التحسُّن الأخير، إلّا أنّ مستقبل الروبل يظلّ محلّ ترقّب من الأسواق، لتحديد مدى استقراره على المدى الطويل أمام ضغط العقوبات. وفي هذا الإطار، يوضح المحلّل في «FG Finam»، ألكسندر بوتافين، أنه إذا استمرّت زيادة المعروض من العملات الأجنبية في السوق، ولم تنتعش الواردات، ولم تُرفع قيود رأس المال، «فقد يستمرّ الروبل في تعزيز وضعه أكثر»، متوقّعاً أن تصل قيمته إلى ما بين 60 و70 روبلاً لكلّ دولار. ومع ذلك، يشكّك الخبراء في أن يسمح البنك المركزي الروسي بالصعود المُشار إليه، مرجّحين أن يبدأ البنك العمل في اتّجاه إضعاف سعر الصرف، عبر إلغاء القيود المفروضة على شراء العملات الأجنبية وتصدير رأس المال، وحتى خفض سعر الفائدة الرئيس، وهو ما حصل فعلاً أمس مع إعلان البنك خفض الفائدة إلى 17%، بعد أن رفعها بداية الحرب إلى 20%. ويوضح المحلّلون في «Freedom Finance»، أن «تعزيز الروبل أكثر، أمر خطر؛ لأن العملة الوطنية القوية والمكلفة ليست دائماً أمراً جيّداً للمصدّرين، لأنها تجعل منتجاتهم أغلى بالدولار، كما أنهم يتلقّون إيرادات وأرباحاً أقلّ». ويبيّن هؤلاء أن «الروبل القوي غير مربح للميزانية الروسية، التي قد تحصل على إيرادات أقلّ، في وقت تحتاج فيه الحكومة إلى إيرادات أعلى الآن، أكثر من أيّ وقت مضى، لدعم السكّان والشركات المتضرّرة من العقوبات». ويشيرون إلى أن تسجيل أيّ عجز في الميزانية سيتطلّب من الحكومة «طبع روبل أكثر، وهو ما سيؤدي إلى زيادة التضخّم المرتفع بالفعل بشكل أكبر». وبينما يرى الخبراء أن سعر صرف الروبل قد يرتفع لبعض الوقت «لتخفيف الانزعاج النفسي للمواطنين وكبح جماح التضخّم»، إلّا أنهم يُجمعون على أنه لن ينخفض إلى مستويات أقلّ من 80 روبلاً لكلّ دولار، وهو السعر نفسه الذي يعتبره البنك المركزي ووزارة المالية مريحاً للميزانية.
في المقابل، يرجّح الخبير المالي، أوليغ سيروفاتكين، في مقال في صحيفة «إزفيستيا»، أن تشهد روسيا انخفاضاً في عائدات النقد الأجنبي من الصادرات، مترافقاً مع ازدياد الطلب على العملات الأجنبية من المستوردين، إضافة إلى طلب متزايد من السكّان على شراء العملات الأجنبية. وبناءً عليه، يرى سيروفاتكين أنّ هذه العوامل «لا تسمح لنا باعتبار أسعار الصرف الحالية للعملة الروسية مقابل الدولار واليورو، أسعاراً مستدامة». كما يتوقّع أن يضعف الروبل مقابل نموّ الدولار واليورو، مرجّحاً أن يسجّل الدولار 111 روبلاً، واليورو 117.3 روبلاً، بنهاية 2022. في هذا الوقت، لا يزال القلق متزايداً حول وضع الناتج المحلّي الإجمالي الروسي بنهاية العام؛ إذ يصعب وفقاً للمحلّلين التنبّؤ بما ستكون عليه أرقام انكماش الاقتصاد. وبحسب توقّعات بنك «غولدمان ساكس»، قد يكون الانكماش في حدود 7%، أو يمكن أن يصل إلى 20%، بالتوازي مع وصول التضخّم إلى مستويات عالية في بداية شهر نيسان، حيث سجّل 16.7% على أساس سنوي (آخر مرة سجّل فيها مثل هذا المؤشّر كانت في آذار 2015)، وارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 9.9% على أساس سنوي.