تُواصل الصحافة التركية الحديث عن ارتياح روسي، برز عبر إشارات متعدّدة، إزاء الموقف التركي من الحرب في أوكرانيا، في وقت يدعو فيه دبلوماسيون سابقون إلى استغلال أنقرة الفرصة، لتعزيز موقعها لدى الغرب والعودة إلى «الأتاتوركية» في السياسات الخارجية، من خلال إعلاء المصالح الوطنية دون غيرها. وفي حوار مع صحيفة «آيدينلق»، وصف السفير الروسي في أنقرة، ألكسي يرهوف، الدبلوماسية التركية بأنها «تسير بدرجة عالية من الاحتراف». وقال إن روسيا تقوم بعملية لا تُلحق الضرر بتركيا، التي «تتبع سياسة مؤثّرة في ظروف صعبة». وكان ذلك الارتياح الروسي تجلّى، أيضاً، في تصريحات لوزير الخارجية سيرغي لافروف، والتحضير للقاء قمّة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب إردوغان، في وقت لاحق من العام الجاري، إذ أشاد لافروف بعدم مشاركة تركيا في العقوبات الغربية على بلاده، معتبراً أن سياسة أنقرة «براغماتية ومتوازنة». ومن شأن إحجام تركيا عن المشاركة في العقوبات الغربية، ومن بينها إغلاق المجال الجوّي أمام الطائرات الروسية، أن يُشكّل نافذة لروسيا إلى العالم الخارجي، وأن يُخفّف من تأثير العقوبات الاقتصادية عليها. وفي هذا الشأن، أكد القنصل الروسي في إسطنبول، أندريه بورافوف، بقوله إن «التعاون في كلّ المجالات بين تركيا وروسيا مستمرّ»، مشيراً إلى أن «رفض تركيا للعقوبات على روسيا، يساهم في تطوير العلاقات السياسية الثنائية والارتقاء بالتعاون إلى مستويات جديدة». كما أشار بورافوف إلى أن «هذه التطوّرات ستفتح المجال أمام فرص جديدة لرجال الأعمال الأتراك، ما يعني تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين». وفي السياق نفسه، يَبرز التقييم الإيجابي الذي نقله بوتين إلى إردوغان، أثناء مكالمتهما الهاتفية، قبل أيام، بشأن رفض تركيا حملة التمييز العنصري الغربية ضدّ الثقافة الروسية.ويعتقد سادات إرغين، في صحيفة «حرييات»، أن «روسيا تريد مكافأة تركيا على مواقفها، من خلال فتح مسارات أمام أنقرة، في جهود الوساطة لإنهاء الحرب». لكنه يَعتبر، في الوقت ذاته، أنه «مع استمرار الحرب لفترة طويلة، فإن السياسة التركية ستخضع لاختبارات وضغوط كبيرة جداً». ويشير مراد يتكين، من جهته، إلى أن «تركيا لم تقف، حتى الآن، ضدّ روسيا»، مبيّناً أنها «تتّبع دبلوماسية دقيقة تأخذ في الاعتبار الانسجام مع قرارات حلف شمال الأطلسي». ويشدّد يتكين، المعارض لإردوغان، على أنه «يجب الاستمرار في السياسة المتّبعة حالياً»، مضيفاً أنه «يجب الابتعاد عن السياسات المتشدّدة السابقة، الأمر الذي يمكن أن يجلب لتركيا نتائج أكثر إيجابية». بدوره، يرى الكاتب منصور آق كون، في صحيفة «قرار»، أن «على تركيا أن تتغيّر وتتحوّل إلى الديموقراطية لحماية مصالحها بشكل أفضل، والامتثال لقرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، والتخلّص من أعباء الثغرات في مجال حقوق الإنسان وسيادة القانون».
أظهر استطلاع للرأي أن الأكثرية الساحقة من الأتراك لا تثق بـ«حلف شمال الأطلسي»


وفي سياق النقاش نفسه، يبرز تقاطُع بين العديد من السفراء الأتراك السابقين، الذين يُجمعون على ضرورة تقوية دور تركيا، من خلال تعزيز الديموقراطية فيها. وفي هذا الإطار، يقول السفير السابق، علي تويجان: «لا يسعني إلّا أن أسأل نفسي ماذا كان سيحدث إذا كان بإمكان تركيا السير على الطريق الديموقراطي». ويضيف: «آمل أن يكون النشاط الدبلوماسي الحالي في أنقرة، هو الخطوة الأولى نحو العودة إلى السياسة الخارجية الجمهورية لأتاتورك». بدوره، يتساءل السفير السابق في الولايات المتحدة وإسرائيل، نامق تان، عمّا إذا كانت أزمة أوكرانيا هي نهاية سياسة الفرد الواحد، وعمّا إذا كان يمكن تحويل الأزمة إلى فرصة لتركيا لإعادة علاقاتها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى مسارها الصحيح. وفي إشارة إلى حدوث تغيير جذري في سياسة تركيا الخارجية، منذ بداية الأزمة، يقول تان إن هذه الأخيرة «تحاول تفعيل قوّتها الناعمة، من خلال الابتعاد عن الأساليب والخطابات المعادية للغرب»، معتبراً أنه «يجب أن يكون الهدف الرئيس للحكومة، هو العمل بطريقة متوازنة، وجعل التعاطف الناتج من اتّخاذ خطوات تصالحية بين الأطراف المتصارعة، وخصوصاً في العالم الغربي، أمراً دائماً». أمّا عن الطريقة الوحيدة للقيام بذلك، فيرى تان أنها تكمن في «استعادة ديموقراطيتنا، التي هي في حالة ضعف كبير»، معرباً عن أمله في «ألّا تضيع هذه الفرصة، لأنه لا توجد طريقة أخرى لإعادة علاقاتنا إلى مسارها الصحيح، خصوصاً مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي». ويتابع أن «هناك عدداً من الخطوات التي يجب على الحكومة اتّخاذها لتُظهر أنها صادقة في توجّهها الغربي»، مبيّناً أن «إحياء القانون ونظام العدالة، وخصوصاً الحقوق والحرّيات الأساسية، سيوفّر تأكيداً مهمّاً لنظراء تركيا الدوليين في هذا الصدد». من جهته، يعتقد السفير السابق في «حلف شمال الأطلسي»، فاتح جيلان، أنه «يجب اختيار طريقة تضع حدّاً للتوتّرات مع الاتحاد الأوروبي وتلبّي مصالح تركيا في الشرق والشمال، وأيضاً في التوازنات داخل العالم الغربي»، مضيفاً «(أننا) نحتاج أيضاً إلى قراءة العلاقات الأميركية الأوروبية جيداً»، خاتماً بأنه «يجب أن يكون مسار تركيا هو الحضارة الحديثة والديموقراطية التعدّدية».
في غضون ذلك، أظهر استطلاع أجرته شركة «آريدا يورفاي»، أن الأكثرية الساحقة من الأتراك لا تثق بـ«حلف شمال الأطلسي»؛ إذ أعرب 90.8% من المستطلَعة آراؤهم عن اعتقادهم بأن «الحلف لن يحمي تركيا في وجه أيّ اعتداء خارجي». وقال يوسف آقين، مدير الشركة صاحبة الاستطلاع الذي نشرت نتائجه صحيفة «آيدينلق»، إن «صورة حلف شمال الأطلسي لدى الرأي العام التركي، هي أنه عنصر تهديد لا حماية». وأضاف أن «النظرة السلبية لدى الأتراك تجاه الحلف موجودة دائماً، لكنّها بلغت الذروة في شهر آذار الحالي، بعد اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا».