زارت نائبة وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية، فيكتوريا نولاند، بيروت، في عزّ التوتر يوم أحداث مجزرة الطيونة (14 تشرين الأول الماضي)، حاملة معها تحذيرات من أنّ واشنطن قد ترفض أيّ تعاون مع لبنان في ما يتعلق بالمساعدات الاقتصادية، وستفرض عقوبات على الشخصيات اللبنانية التي تعرقل العدالة في تحقيقات مرفأ بيروت. كان الهدف المعلن لزيارة نولاند دعم شروط صندوق النقد الدولي في خطة الإنقاذ الاقتصادية ما يدفع لبنان إلى مزيد من التقشّف المنهك لإبقاء بيروت تحت وصاية البنك، وبالتالي الولايات المتحدة.مقاربة نولاند في التعامل مع لبنان مستمدّة من تجربتها الأوكرانية حين كانت تشغل منصب مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأوروبية والأوراسية، صيف 2013، عندما كانت الولايات المتحدة تصعّد عدوانها على روسيا. في أوكرانيا أيضاً، كان هناك دعم لتدابير التقشّف التي يتخذها صندوق النقد لدفع أوكرانيا إلى تأييد الاتحاد الأوروبي سياسياً واقتصادياً.
نولاند، الخبيرة في السياسة الخارجية، معروفة بتركيزها الشديد على روسيا. وهي تعاقبت على مدى 37 عاماً من عملها في الإدارة الأميركية على مناصب عدة، منها المبعوث الخاص للقوات المسلحة التقليدية في أوروبا، والممثل الدائم للولايات المتحدة لدى الناتو، والنائب الرئيسي لمستشار الأمن القومي لنائب الرئيس ديك تشيني.
كان لنولاند، بصفتها منفّذة السياسة الخارجية للبيت الأبيض، باع طويل في أوروبا الشرقية. فقد قدّمت دعماً مباشراً للمعارضة الأوكرانية التي نفّذت انقلاب عام 2014 ضد الرئيس فيكتور يانكوفيتش، بعد رفضه قرضاً من الاتحاد الأوروبي، وقبل توقيع كييف صفقات خطوط الأنابيب الروسية التي كانت ستزود أوكرانيا بغاز أرخص من عرض الاتحاد الأوروبي.
ساهم التكنوقراط الذين أتى بهم الانقلاب الأوكراني في تنفيذ «إصلاحات» صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي الهادفة إلى خصخصة النفط والغاز، وتسليعهما في السوق المالية الدولية لمصلحة أصحاب رؤوس الأموال. حتى نولاند أدركت أن إجراءات التقشف الناتجة عن قرض صندوق النقد الدولي «ستتطلب تضحيات مؤلمة من الشعب الأوكراني». الكلمات الطنّانة ذاتها يعاد تدويرها وتُستخدم لتبرير استيلاء صندوق النقد الدولي الكامل على الاقتصادات الوطنية في لبنان كما في أوكرانيا: استئصال «الفساد» وتحقيق «الإصلاحات الملحّة». وكانت الانتخابات المبكرة وحكومة تكنوقراط ودعم إصلاحات صندوق النقد الدولي بما يتماشى مع الشروط الغربية هي الشعارات التي نادى بها المجتمع المدني اللبناني مع انطلاق تظاهرات 17 تشرين الأول 2019.
قدّمت نولاند دعماً مباشراً للمعارضة الأوكرانية التي نفّذت انقلاب عام 2014 ضد الرئيس فيكتور يانكوفيتش


على الخطوط الأمامية للإطاحة بالرئيس الأوكراني، لعبت نولاند دور المسالمة البريئة التي وزّعت البسكويت على المتظاهرين المؤيدين للاتحاد الأوروبي في كييف في كانون الأول 2013، إضافة إلى استثمار 5 ملايين دولار في الأعمال التجارية الأوكرانية، واختيار قادة المعارضة السياسية. وفي المقابل، لعبت دوراً حاسماً في الإشراف على نقل الأسلحة إلى الميليشيات الأوكرانية اليمينية المتطرفة، ما أثار أعمال عنف على غرار قنّاصة (حزب) «القطاع اليميني» المتطرّف الذين أجبروا يانكوفيتش على الموافقة على انتخابات مبكرة.
ويصادف أن في اليوم الذي أعلنت فيه نولاند عن حزمة مساعدات بقيمة 67 مليون دولار للجيش اللبناني، والتقت بقائد الجيش جوزيف عون، قُتل متظاهران على الأقل على يد قوات الجيش اللبناني. وغيّر الجيش بيانه الأصلي الذي يفيد عن إطلاق النار على المتظاهرين في منطقة الطيونة - بدارو إلى الادّعاء بأن أعمال عنف اندلعت بعد إشكال تلاه تبادل لإطلاق النار.
قضت نولاند معظم مسيرتها المهنية الطويلة في التركيز على أوروبا الشرقية، لكنّ مشاريعها التدخلية الأخيرة في أعقاب الربيع العربي حاولت استثمار خبرتها الأوكرانية في الحملات على ليبيا وسوريا. لا يمكن معرفة ما إذا كانت زيارة نولاند للبنان في تشرين الأول الماضي لإعطاء الضوء الأخضر لممارسة العنف ضد المتظاهرين، رغم أن ظهورها السابق في كل من أوكرانيا وسوريا وليبيا أُتبع دائماً بأعمال عنف دموية. لكن من الواضح أن نائبة وزير الخارجية الأميركي تنفذ السيناريو المستورد من مغامراتها في أوكرانيا، حيث أشعل الناتو حرباً مدمّرة لمدة 8 سنوات، إلى لبنان، في خضمّ أسوأ أزماته الاقتصادية والسياسية.



تصريحات نولاند أثناء زيارتها للبنان عام 2021
«ستُجري الحكومة الجديدة مفاوضات مع صندوق النقد الدولي من أجل مساعدة لبنان في التعافي الاقتصادي ... والبحث في أمن الطاقة وتطوير الإدارة وقوانين الإصلاح اللازمة».

«نشدد على أهمية إجراء انتخابات حرة وعادلة الربيع المقبل، وأعطانا اجتماعنا مع المجتمع المدني هذا الصباح دفعاً جراء الحماس الذي لمسناه لديهم تجاه الفرصة المتاحة للجيل الجديد من القياديين اللبنانيين للمساهمة في تكوين مستقبل إيجابي هنا».

«ما تقدمه إيران هنا في مجال الطاقة هو فرقعة إعلامية. حفنة من الشاحنات المليئة بأشياء قذرة ليست مستدامة للشعب اللبناني».


مقتطفات من تصريحات لنولاند عن أوكرانيا عام 2014
«الولايات المتحدة مستعدّة لتقديم الدعم المالي لأوكرانيا في حال إجراء الإصلاحات اللازمة» - 7 شباط 2014.
«اعتمد البرلمان الأوكراني (رادا) إجراءات مناهضة للفساد وتدابير الحدّ من العجز واتخاذ خطوات صعبة لإصلاح قطاع الطاقة»
أيار 2014

«كان هناك نقاش كبير حول دور صادرات الغاز الطبيعي الأميركية للمساعدة في مشكلة (الغاز الروسي)... من المحتمل أيضاً أن تكون هناك أرضية يمكن اكتسابها في المساعدة في دعم الانتقال الأوكراني إلى اعتماد أقوى على الطاقة المتجددة، ويمكن الإيعاز بأن كل مواطن أوكراني يجب أن يكون لديه لوح شمسي، أو توربينات الرياح إذا كان لديه ما يكفي من الأرض للشبكة اللازمة لها» -
نيسان 2014