قبل سنوات من انقلاب شباط 2014، كانت منظمات مراقبة النفط والغاز التابعة للمجتمع المدني الأوكراني في طور بناء نفسها، لدعم مواقف الطرف المؤيّد لسياسات الطاقة الأميركية والأوروبية. في العام نفسه، حظيت جهود التنقيب عن الغاز الصخري باهتمام خاص من الحكومة الأميركية، فعرّفتها كمجال أساسي لاستثمارات الطاقة الأميركية. وفي السياق عينه، استحوذت المنطقة «المتنازع عليها» في حقل «كاريش» النفطي قبالة الساحل الجنوبي اللبناني على اهتمام أباطرة النفط والغاز والمال في الخارج، وكانت أحد عوامل التدخل الأميركي المتزايد في المجالات الانتخابية والسياسية والاقتصادية في لبنان.
ديانا القيسي

في أوكرانيا، دعمت قوات ما بعد الانقلاب «مبادرة الشفافية في مجال الصناعات الاستخراجية» (EITI)، التي أطلقتها المملكة المتحدة ومقرها برلين، وهي تضم ممثلين عن المجتمع المدني اللبناني، من بينهم ديانا القيسي، عضو المجلس الاستشاري للمبادرة اللبنانية للنفط والغاز (LOGI). انضمّ لبنان إلى مبادرة شفافية الطاقة في عام 2017 الذي صدر فيه مرسومان في شأن قطاع النفط والغاز اللبناني قبيل الانتخابات البرلمانية عام 2018. كان يٌتوقّع، في حينه، أنّ تصدير النفط اللبناني لن يحدث قبل منتصف عام 2020، وكان انضمام لبنان إلى مبادرة الشفافية بقيادة LOGI، وهي من أولى الجمعيات التي سوّقت بأن لبنان فاسد (وهو كذلك) إلى حد لا يستطيع معه إدارة موارده النفطية، ما يعني - ضمناً - المزيد من التعامل المباشر بين المستثمرين الدوليين ومجموعات المجتمع المدني المموَّلة والمدعومة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، كحلّ لاستعادة «الثقة» في قطاع النفط والغاز في لبنان في المستقبل.
النموذج نفسه أُسقط على لبنان في كانون الثاني 2021، وتأسّس «تحالف حوكمة الطاقة» في لبنان بمبادرة من «انشر ما تدفع»


في كلّ من لبنان وأوكرانيا، جرى الترويج لفئة من التكنوقراط كبديل «نظيف» عن الحكومات التقليدية «الفاسدة». ومعظم هؤلاء التكنوقراط هم أكبر مؤيّدي الخصخصة ورفع أسعار الغاز والنفط. الأوكراني دميترو شيمكيف، قطب الاستثمار التكنولوجي الذي تحوّل إلى رئيس مجلس الإصلاح الوطني، جادل بقوة بأن شركة النفط والغاز الحكومية الأوكرانية، Naftogaz، بحاجة إلى الخصخصة، وأن الغاز يجب أن يُسعّر بحسب سعر السوق. وفي لبنان، ظهرت الدعوات من المجتمع المدني لتشكيل حكومة «تكنوقراط» مع بداية تظاهرات 17 تشرين الأول 2019، الأمر الذي عزّزه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد انفجار 4 آب 2020، مشدّداً على ضرورة أن تكون هذه الحكومة صديقة للمانحين وتنفذ إصلاحات صندوق النقد الدولي.
عام 2009، قبل سنوات من انقلاب أوكرانيا، تضافرت جهود شبكات المجتمع المدني، المموَّلة والمدعومة إلى حد كبير من سفارات الاتحاد الأوروبي والوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، والصندوق الوطني للديمقراطية (NED)، لتشكيل جمعية شفافية الطاقة التي ضمّت أوكرانيا بعد انقلاب 2014، في هيئة مراقبة الطاقة العالمية المعروفة بـ«انشر ما تدفع». وساهمت هذه المنظمات في الضغط من أجل «إصلاحات» صديقة لصندوق النقد الدولي في قطاع الطاقة، تضع غاز أوروبا الشرقية تحت وصاية الغرب في مواجهة خطوط أنابيب الطاقة الروسية.
النموذج نفسه أسقط على لبنان في كانون الثاني 2021، وتأسّس «تحالف حوكمة الطاقة» في لبنان بمبادرة من ائتلاف «انشر ما تدفع» العالمي. ويضم التحالف، إلى جانب المبادرة اللبنانية للنفط والغاز (LOGI)، منظمة «كلنا إرادة» و«مبادرة غربال» و«الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية» و«الجمعية اللبنانية لحقوق المكلفين» و«جمعية يوميات المحيط» و«منظمة استدامة البترول والطاقة في لبنان» و«منظمة عدل بلا حدود» و«نادي انشر ما تدفع» في جامعة سيدة اللويزة.
وتعمل المبادرة اللبنانية للنفط والغاز (LOGI) بشكل وثيق مع مؤسستَيْ «هاينريش بُل» (حزب الخضر) و«فريدريش إيبرت» (حزب SPD) الألمانيتين اللتين كانتا من أشد المعارضين لخط الغاز الألماني الروسي «نورد ستريم 2»، وتدعوان إلى تغليب التوجه الأطلسي على الأوراسي في سياسات قطاع الغاز والطاقة في لبنان.