إذا كان لحرب أوكرانيا أن تتوسّع نتيجة الضغوط الغربية المتعاظمة على روسيا، فإن الشرق الأوسط، وتحديداً سوريا أو العراق، قد يكون ميداناً لهذا التوسّع، حيث صارت لدى موسكو، نتيجة المكاسب التي حقّقتها في الحرب السورية، إمكانيات لفعل الكثير، ممّا قد يجبر الأميركيين على الانسحاب من أحد البلدين، أو كليهما معاً.إسرائيل وأنظمة الخليج تعيش بالفعل هذه الهواجس، بخاصة أن الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط صار أضعف، بعد الانسحاب الكلّي من أفغانستان وتحويل المهمّة في العراق من قتالية إلى تدريبية - استشارية، وسحب الكثير من الأصول العسكرية من الخليج، الأمر الذي يشير إليه حذر حكام الخليج في التعامل مع الأميركيين، باعتبارهم ما عادوا قوّة يُعتمد عليها، ويعزّزه الخوف الذي اعترى إسرائيل من ارتدادات حرب أوكرانيا عليها، وتحديداً في سوريا، التي ظلّت حتى الآن ميدان عمل مريحاً لسلاح الجوّ الإسرائيلي، بتواطؤ روسي.
ماذا، على سبيل المثال لا الحصر، إذا قدّمت روسيا، ردّاً على التسليح الأميركي لأوكرانيا، سلاحاً نوعياً لأحد الفصائل المناهضة للأميركيين في المنطقة، يتيح توجيه ضربة قاسية للقوات الأميركية في سوريا أو العراق، تؤدي إلى عودة الجنود الأميركيين في التوابيت بأعداد كبيرة إلى الولايات المتحدة، وتُحدِث ضغط رأي عام يجبرهم على الانسحاب الكلّي؟ مثل هذا الاحتمال يرعب إسرائيل، التي وصلت «زنقتها» إلى حدّ قيام رئيس وزرائها، نفتالي بينيت، بمعرفة من الأميركيين، بزيارة سرّية خلال الأيام الماضية إلى موسكو التقى خلالها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ثمّ أتبعها باتصال هاتفي أول من أمس مع الأخير، بعدما اختار العدو، إثر تردّد، الوقوف في صفّ أوكرانيا، ما انعكس بالفعل سلباً على علاقته بروسيا. لكن المشكلة قد لا تقتصر على الاصطفاف السياسي لإسرائيل، إذ بدأت تظهر مشكلات أخرى، منها وصول صاروخ «سبايك» الإسرائيلي المضادّ للدروع والأفراد، إلى أيدي الأوكرانيين، بعدما باعته إسرائيل إلى تشيكيا. وهذا الصاروخ يلاحق أثر الحرارة، ويطلَق عليه «اضرب وانسَ».
ثمّة عوامل متعدّدة تؤثّر في العلاقة بين روسيا وإسرائيل، تجعل بوتين حذراً في ما يمكن أن يُقدِم عليه، أبرزها اليهود المهاجرون من روسيا، والذين يشكّلون نسبة معتبرة من سكّان إسرائيل؛ واليهود الذين ما زالوا في روسيا، وهم من أصحاب النفوذ، على رغم أن بوتين كان أبعدهم من الحلقة المحيطة به؛ والتأثير الذي تمارسه إسرائيل على المستوى العالمي، وحتى في داخل أوكرانيا نفسها. لكن التغييرات التي يجري الحديث عنها عميقة واستراتيجية، وليست بسيطة ولا آنية، وقد تشمل أموراً مِن مِثل توفير صواريخ «أس 400» للجيش السوري، ما يحدّ بشكل كبير من حرية حركة سلاح الجوّ الإسرائيلي في سماء سوريا. وثمّة تغييرات حصلت بالفعل في هذا الاتّجاه، كتخفيف الضغط الروسي على حركة القوات الإيرانية و»حزب الله» في سوريا، بحيث صار هؤلاء يشعرون براحة أكبر ممّا كان عليه الوضع قبل حرب أوكرانيا، لا سيما أن التقارير تفيد بأن بوتين رفض عرضاً أميركياً بمقايضة بين منحه ما يريد في أوكرانيا مقابل سحب قواته من سوريا، باعتبار أن وجود القوات الروسية في المياه الدافئة في البحر المتوسط، لا يقلّ أهمية عن تأمين بلاده من الخطر الأطلسي الذي يتهدّدها من جوارها.
ثمّة موعد مفصلي للتوتر العالي في منطقتنا على خلفية حرب أوكرانيا، هو 15 أيار


ما من شكّ في أن الثقة التي يتحلّى بها بوتين في خوض الحرب في أوكرانيا، تستند إلى الإنجاز الكبير الذي حقّقه مع الحلفاء في سوريا، نظراً للتحالف الواسع الذي خاض المعركة ضدّه مباشرة أو مداورة، وضمّ أميركا ودولاً عربية وأوروبا. بل يمكن القول إنه ما كان ممكناً أن تحصل حرب أوكرانيا لولا هذا الإنجاز، باعتبار أنه أحدث تبدّلاً جوهرياً في النظرة الأميركية إلى روسيا، من حيث أن الحرب السورية أعادت موسكو إلى أدوارها العالمية. ويمكن أن تصبح سوريا ساحة ممتدّة للحرب الأوكرانية كذلك، بسبب وجود عشرات الآلاف من المقاتلين الإسلاميين الذين يتزايد الحديث عن انتقال عدد منهم للقتال ضدّ الروس. هذا الحديث فتح الباب له، إعلان الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، عن تشكيل فيلق للمتطوعين الأجانب، يدّعي زيلينسكي أنه صار يضمّ 16 ألف مقاتل، من دون أن يَظهر أيّ أثر لهم على الأرض. لكن واشنطن تعوّل بالفعل على تحويل أوكرانيا إلى ساحة لـ»الجهاد» العالمي يُستنزف فيها الروس. فالتجنيد يحصل داخل أميركا نفسها، عبر شبكة تضمّ محاربين قدامى ومتبرّعين ممّن يريدون «الدفاع عن الديموقراطية»، وفق ما ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» في تقرير قبل يومين، في ما يُعتبر تورّطاً أميركياً إضافياً لإطالة المعركة، من دون الانزلاق إلى نزاع مباشر مع روسيا.
والتوسّع المحتمل للحرب في أوكرانيا، معنيّ به أيضاً «محور المقاومة»، الذي يعتبر ما يجري هناك فرصة له ولروسيا والصين. فبمجرّد أن فتح بوتين النار، وتمكّن من غزو دولة بحجم أوكرانيا، لم تَعُد أميركا وحدها من يتحكّم بالعالم، بل ثمّة إمكانية لأن ترسل المقاومة فريق استطلاع للاستفادة من الخبرات خلال تلك الحرب. واللافت، في هذا السياق، أنه للمرّة الأولى، قامت المسيّرات الروسية بتصوير قاعدة التنف الأميركية في سوريا، بعد أن لاحظ الروس حركة غير اعتيادية فيها، كما قام الروس بطرد المسيّرات الإسرائيلية والأميركية من فوق سوريا، فيما لوحظ تراجع الضربات الإسرائيلية في الساحة السورية منذ بدء حرب أوكرانيا. على أيّ حال، ثمّة موعد مفصلي للتوتّر العالي في منطقتنا على خلفية حرب أوكرانيا، هو 15 أيار، حين يبدأ العدو مناورة ضخمة على الحدود الشمالية مؤجَّلة من العام الماضي، حيث من الطبيعي أن تستعدّ المقاومة لها بإجراءات مقابلة.